جود نيوز الكندية

دردشة…بالعربي الفصيح:

ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (7)

-

ملخص ما سبق: قام الباشمهندس المقاول، صاحب الشركة، بإختيار المراقب حمدي، الشهير بـ أبو صلاح، و هو أصغر مراقبيه سناً وأقلهم خبرة، ليحل محله خلال أسبوع سفره لأحد مصانع الخارج؛ ودرب أبو صلاح إداريا على يد الباشمهندس شخصياً؛ ورغم عدم ثقة أبو صلاح في زملائه إلا أنه فوجئ بان الجميع يعامله بلطف واحترام، فشعر بالراحة و تمنى في نهاية أسبوع إدارته أن يطول، وبالصدفة، مد الباشمهندس بالفعل فترة غيابه ثلاثة أسابيع إضافية، قام فيها ابو صلاح بتحسين علاقاته بعملائه وعماله ومراقبينهم ليحظى بإعجاب الباشمهندس، لكن أعلنت الأخبار عن اختفاء طائرة عودة الباشمهندس ليلة قدومه في ظروف غامضة، وانتهت عمليات البحث بالفشل، وهكذا أصبح ابو صلاح رسمياً مديراً لهذه الشركة…

حلقة ٧

الخبث في قاموس البعض…حكمة!

وقفنا جميعاً حداداً لمدة ثلاث دقائق في ساحة موقعي أمام مدخل الحاوية…

أشعر بالقلق على نفسي! كيف لم تسقط لي دمعة على الباشمهندس؟؟ بل لم تهتز مشاعري للحظة وكأني كنت منتظراً خبر موته! ولماذا ألاحظ البقية يذرفون الدمع على خلاف ما اشعر به؟ فأنا غير قادر حتى أن أتظاهر بالبكاء؟؟! ألم يكن هو من علمني واعدني لما أنا فيه الآن؟ أأنت ناكرٌ للجميل يا أبو صلاح؟! أبداً…ربما كل ما في الأمر هو تعزية إلهية!!! فالخبر لم يكن مفاجأة غير متوقعة…فاحتمال وفاته كان وارداً طوال الوقت…ولذلك لم أتأثر بخبر موته!!! نعم…هذا ما يحدث بالفعل من جهتي…أما من جهة الحضور…فهم بارعون في التمثيل كما نعلم…كلهم بارعون!

مرت الثلاث دقائق وكأنها ثلاث ساعات، تقدم بعدها المراقب بدوي لينعي الباشمهندس (كما طلبت منه):

- النهاردة يا إخواني واخواتي، وقفنا حداداً على فقدان الباشمهندس، بس يا جماعة… الباشمهندس ما ماتش…

انتفض الجميع لحظياً بنظراتهم نحو بدوي، متشوقين لأخبار سارة، أما أنا فقد علا ملامحي فضول مستتر، فاسترسل بدوي:

- صدقوني ما ماتش…لإن كل واحد فينا بقى الباشمهندس، ودا كله بفضله!!! حقيقي…الالتزام، والتدريب، والجودة والنضافة اللي زرعها فينا الباشمهندس؛ كل دا لا يمكن يروح بالساهل! فأنا وأنتم هنفضل ندين للباشمهندس طول عمرنا! كمان من حسن تدبيره ورؤيته سابنا في ايد واعية أمينة، ايد واحد مننا...هو أبو صلاح ربنا يخليه لينا…نطلب من الله الرحمة للباشمهندس، والوعي والتأييد وحسن الإدارة لأبو صلاح! آمين!

"آمين" هكذا ردد الجميع ورا بدوي وهم يصفقون بحماس، أما هو فعاد ووقف بجانبي، ووضع يده على كتفي بتشجيع، فقلت له هامساً:

- ما كانش فيه داعي تعشم الناس…وبعدين تخذلهم كده! ؟

تكدر بدوي بعض الشيء من تعليقي ولكنه لم يرد، بينما تقدمت أنا لأنهي وقفة الحداد:

- أشكركم يا جماعة، يا ريت كل واحد يرجع للموقع بتاعه، و أنا عارف اننا هنشتغل بهمة تمام كأن الباشمهندس معانا بالظبط! مع السلامة وفي أمان الله…

***

ما المانع؟! فهو تغيير بسيط، ولا اعتقد ان وقته غير مناسب! لذلك سأفتح الموضوع مع بقية المراقبين، رغم أني لا أنتظر منهم إذناً، فأنا المدير اليوم وقرارتي نافذة؛ لكن لحفظ ماء الوجه فقط سأشاركهم ما أنا فاعله!

انتظرت حتى جلس المراقبون الأربعة في مكتبي وقد شحبت وجوههم من الحزن، فبدأت حديثي بالعزاء:

- البقية في حياتكم يا جماعة!

تناثرت "حياتك الباقية" بشكل عشوائي من الجميع، ما عدا كاظم الذي أجاب مستنكراً بتحفز:

- في مين يا أبو صلاح؟!

تجهمت ملامحنا محاولين فهم معنى السؤال، فأجبت بتحفظ:

- يعني ايه في مين؟ في الباشمهندس طبعاً!!

- ومين قال إن الباشمهندس مات؟!

التزمت السكوت كالصنم وأنا ناظرٌ نحوه دون كلام…حتى كسر نزيه حاجز الصمت:

- خبر ايه يا كاظم، مالك؟! ما احنا كلنا سمعنا الاخبار و…

- وقالوا إنهم مالاقوش الطيارة يا سي نزيه، ما حدش أكد أن الركاب ماتوا!!

فرد عليه بدوي بهدوء:

- كاظم…احنا مقدرين حبك للباشمهندس لكن…

- بدوي…انت قلت بنفسك من شوية ان الباشمهندس ما ماتش!!

- ايوة أنا قلت كده من باب السيرة والقدوة اللي سابها…بس عادة الطيارات اللي بتختفي كده من غير أثر، ركابها ما بترجعش تاني!!! ولو لاقوهم بيكونوا ماتوا وشبعوا موت!!

- أنتم أحرار…خدوا عزا اللي انتم عايزينه، بس الباشمهندس ما ماتش!!

آه من مكرك يا كاظم؛ تريد أن ترد لي موقف إحراجي لك أمام المحامي؛ أتقنت التمثيل جيداً؛ لكنك، مع الأسف، تختار الكفة الخاسرة كل مرة!! يجب عليّ انتهاك سخافة هذا الهراء وأكمل ما أردت قوله منذ البداية:

- معلش يا جماعة، عشان وقتكم بس…أنا طلبت اكلمكم النهاردة عشان أقولكم إن طالما الإدارة مابقتش فترة مؤقتة، فأنا مش هاقدر اتابع الموقع بتاعي و الشركة كلها في نفس الوقت، فانا قررت أعين مراقب جديد للموقع مكاني! وأنا هاتفرغ للإدارة!

ضحك كاظم ضحكة مكتومة متعمدة، فرمقته بنظرة سريعة لكني لم أكترث أن أعلق، فبادر بدوي بأدب:

- طبعاً طبعاً يا أبو صلاح حقك…أكيد الحمل هيزيد، كان الله في العون!!

- طيب، تمام انا قلت اديكم خبر عشان ماتتفاجؤوش!!!

وإذ بكاظم يقول بوقاحة:

- يا عم و لاَّ اتفاجئنا يعني هيحصل ايه؟ مش هتفرق!! ما هو حقك!!!

ثم انتصب من على كرسيه وتنهد بحسرة ثم أكمل:

- الظاهر يا أبو صلاح إنك هتعين اتنين مراقبين مش واحد…سلام عليكم…

وخرج مندفعاً من المكتب، فحاول نزيه اللحاق به لتهدئته فاستوقفته:

- سيبه دلوقتي، أكيد أعصابه تعبانه!!!

- ألا يمشي بجد يا أبو صلاح، دا مجنون و يعملها!

- أنا هأكلمه، ماتقلقش…و حتي لو مشي…عمر ما الشغل بيقف على حد!!!

صمت الجميع لبرهة، فأكمل نزيه بسؤال:

- صحيح…بس إنت هتكلمه يا أبو صلاح برضه صح؟! معلش هو مرات بيتعفرت كده بس قلبه طيب والله! اعذره وكلمه!

- أكيد هأكلمه…ماتخافش!

لا…لن أكلمه ولن أحاول…لأنه يريد إضعاف موقفي كمدير للشركة! من الحكمة ألا اسمح بأية معارضة في الوقت الحالي…ولا في أي وقت لاحق! فالكلاب تعوي والقافلة تسير!

يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم…