دولا أندراوس يكتب: نيل المطالب بالتدني
اللباقة والكياسة من الضرورات الإجتماعية التي لا غنى عنها والتي تعد من مقتضيات العصر وتحتمها درجة التحضر. فكلما إرتقى الانسان اتسم سلوكه بالكياسة والتهذيب والبعد عن الفظاظة والخشونة. واللباقة هي صورة من صور التأدب اللازمة لإظهار إلإحترام للآخرين.. كأن تضطر مثلاً لإخفاء امتعاضك من سلوك لم يعجبك أو كلمة لم تقع من نفسك موقعاً حسناً أو كأن تضحك على نكتة بايخة يسردها شخص ثقيل الظل أو أن تجامل وتظهر الإعجاب بذوق لا يروق لك.
والمجاملات المخلصة الرقيقة بصفة عامة هي قمة اللباقة وأحد الأسباب الرئيسية لنجاح الإنسان في حياته، فهي الطريق الذهبي لكسب قلوب الآخرين وخلق الود والإنسجام بين الناس. في بعض الأحيان نضطر لإظهار غير ما نبطن كنوع من أنواع المجاملة. تخيل نفسك مثلاً تعرفت في أحد المحافل علي شخص ممل ظل يلاحقك بثرثرته وحكاياته الرتيبة التي لا تخرج عن نطاق عمله، وبينما أنت على وشك الإستسلام للنعاس بسبب صوته المسترسل على وتيرة واحدة فاجأك بالسؤال عما إذا كانت حكايته قد أعجبتك.. طبيعي أن ترد بالإيجاب، بل إنك قد تضيف إلى الإيماءة بعض الكلمات التي تعزز بها ردّك مثل "طبعا"ً و"بالقطع" و "بكل تأكيد". فهل يعد هذا نفاقاً؟ وهل كان ينبغي عليك -بما أنك انسان صريح- أن تخبر هذا الرجل برأيك الحقيقي فيه وفي حكاياته وأن تقول له إنه شخص بايخ وممل وأن واجب مخاطبته والإستماع إليه يثير حنقك ونقمتك؟ بالقطع لا..فإن مثل هذا السلوك ليس فقط يتنافي مع الأدب وإنما ينفر منك الآخرين ويجعلك شخصاً مكروهاً وغير مرغوب فيه. بعض الناس تفخر بأنها تستطيع أن تقول للأعور إنه أعور في عينه.. وهؤلاء يخلطون الأمانة بالتجريح والكلام الذي لا يضبطه ضابط، ويظنون أن الإستقامة هي في أن يقول الإنسان كل ما يجول في خاطره بغير مراعاة لمشاعر وظروف الطرف الآخر. ولكن ما الإستفادة التي نحققها حين نصدم الناس ونجرح احساسهم؟ وأي سعادة نشعر بها حين نذكرهم بعيوبهم التي يحاولوا جاهدين معايشتها والتغلب عليها؟
الفرق بين المجاملة والنفاق هو أن النفاق عبارة عن تملق مسبب، وأن مُفتعله يضمر في نفسه غرضاً ويبتغي تحقيق مصلحة شخصية من ورائه. وهو سلوك كريه يثير النفور والتقزز ولا ينطلي علي غير السذج وأصحاب الذكاء المحدود، أما اللباقة فهي المجاملة الصادقة المخلصة الصادرة من القلب لتسعد الغير.. وهي الكلمة الطيبة التي نبذلها لله في لله دون أن نبتغي من ورائها مكسباً ولا جزاءاً ولا شكوراً.