6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس استثمار 100 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي تطوير أول حارس إنقاذ بالذكاء الاصطناعي في الأنهار

دولا أندراوس: فصل سلطات أم انفصال عن الواقع

حين شهدت شوارع ضاحية فيرجسون بولاية ميزوري الأمريكية تظاهرات واشتباكات عنيفة بين المتظاهرين ورجال الشرطة على اثر الحكم القضائي الصادر بتبرئة ضابط الشرطة الأبيض من تهمة مقتل الشاب الأسود الأعزل مايكل براون، خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما على شعبه منددًا بأعمال العنف ومطالبًا الجمهور الغاضب بالتحلي بضبط النفس من قبل الطرفين والإلتزام بالحكم القضائي. وقد جاء خطاب أوباما مخيبًا لتوقعات كثير من السود الأمريكيين باعتباره رئيسًا أسود منتخبًا لثاني مرة، كانت أهم مقومات انتخابه محاولة رأب الصدع العنصري وتقليص الفجوة العرقية بين السود والبيض من أفراد الشعب الأمريكي. فإذا به في معظم الأزمات التي اصطبغت بالصبغة العرقية يسيء إدارة الموقف ويردد ما يردده الرؤساء عادةً من كلام أجوف عن ضبط النفس وسيادة القانون والقبول بأحكام القضاء. نفس الشيء بالنسبة لموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من الحكم القضائي الصادر بتبرئة الرئيس المخلوع حسني مبارك من قضايا قتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام. حيث خرج علينا مشددًا على ضرورة ترسيخ دولة القانون واحترام أحكام القضاء. وهُنا يلحّ السؤال عن صلاحيات رئيس الدولة وإلى أي مدى وتحت أي ظروف يحق له التدخل في أحكام القضاء. من الطبيعي أنه في دولة القانون، حيث يعتبر استقلال المؤسسة القضائية وفصل السلطات من ركائزها الأساسية٬ يكون واجب الرئيس الدستوري هو مراعاة تنفيذ القوانين وليس سنها أو تشريعها. فالدستور في هذه الحالة لا يمنح الرئيس سلطة ونفوذًا بقدر ما يفرض عليه واجبًا ومسؤولية تتمثل في تحقيق سيادة القضاء دون التدخل في اختصاصاته. يعتبر هذا الكلام سليمًا ومتفقًا عليه في الدول المستقرة دستوريًا وقانونيًا والتي تحترم مجريات القانون والعدالة ولا تتدخل في شؤون القضاء بشكل عام. أما في مجتمع تحِلُّ فيه جلسات الصلح العرفية كبديل للمحاكم، ويُصدِر فيه المواطنون (الأقوى مركزًا) حكمًا على مواطنين آخرين (أضعف طبعًا) بمشاركة أطراف رسمية كما لو لتوطيد فكرة الدولة داخل الدولة. مجتمع ترسّخَتْ لدى مواطنيه قناعة أنك قويًا فقط بمن تعرف وأنك لن تأخذ حقك إلا بيديك وأن النصوص الدستورية لا تعني شيئًا لأنها تعاني صعوبة في التطبيق الفعلي إذا ما تعارضت مع إرادة الأفراد ذوي النفوذ. مجتمع تخرق فيه قوانين المرور يوميًا بلا رادع٬ وتُحَل فيه المشاكل بالرشاوى والبلطجة٬ وتُهدَم فيه أضرحة الأولياء لأن الهادمين يعتقدون أنها وثنية. مجتمع يَحكم بالسجن عدة سنوات على شباب المتظاهرين في حين يُبرئ الفاسدين والمجرمين٬ ويُهجَّر فيه مواطنون آمنون من مساكنهم بسبب انتماءاتهم الدينية٬ وتستشري فيه حالات التحرش الجماعي٬ ويَقبل أن تقص مدرسة شعر تلميذة لعدم ارتدائها الحجاب٬ ويرى أن من حق الرجل أن يضرب امرأة ما دامت زوجته. في ظل مجتمع يمر بهذه الظروف يصبح التكلم عن سن قوانين جديدة ليس إلا مزحة ويصبح التشدق بسيادة القانون واستقلال القضاء مجرد مزاعم لا تنطلي على أحد. ليست المشكلة في سنّ القوانين فكثير من الدول المستبدة يوجد لديها دساتير ذات صياغة قانونية جديرة بالإحترام٬ تتكلم عن حقوق الإنسان وحرياته على نحو رائع ومع ذلك فلا صلة لهذه الدساتير بالواقع الذي يعيشه الناس من قهر واستبداد ومصادرة للحريات. بدلاً من هذه التصريحات النظرية الجوفاء كنا نأمل أن نرى خطوات عملية في اتجاه تحسين وتطوير القوانين الموضوعة وسد ثغراتها بما يتلاءم مع معاناة الناس والحالة الثورية الاستثنائية التي مروا بها والتي ضحّوا من أجلها بكل غالٍ وثمين.. كنا نأمل أن نرى جهداً يبذل لحثّ الناس على احترام القوانين وعزل ومعاقبة كل من يحاول خرقها أو التحايل عليها بغض النظر عن سطوته ونفوذه كي يتكرس احترام القانون في أخلاقيات المواطنة وكي يصبح المجتمع هو الدرع الأقوى في وجه العابثين الذين يحاولون النيل من سلطة الدولة وهيبتها.