دولا أندراوس تكتب: عين الحسود
أهدتني صديقة هدية لمنع الحسد ودرء العين عبارة عن مرآة على شكل كف في منتصفه عين زرقاء. كنت وقتها أمر بوعكة صحية وبعض الازمات في العمل، فناولتها لي وهي تقول بيقين: "بس علقيها في مكان ظاهر وكل شئ سيكون على ما يرام". أخذتها وأنا ابتسم ثم قلت ببساطة وبعض التحرج: "الحقيقة أنا لا أصدق في هذه الأمور".. فقالت محذرة: "لا تكوني حمقاء! الحسد حقيقة لا يمكن تجاهلها". ثم راحت تحكي لي عن جارة لها معروف عنها أن عينها تفلق الحجر وأنها كلما قامت بزيارتها تسببت لها في كارثة أو أحدثت لها مكروهاً كأن يمرض أحد العيال أو ينكسر شئ قيّم في البيت، أو تدب خناقة لرب السما مع زوجها.. ثم إستطردت موضحة أن تلك المشكلة قد انتهت إلى غير رجعة بمجرد أن علقت هذا الكف بجوارمدخل البيت. انصرفت صديقتي بعد أن حذرتني من التهاون مع الحسد، وبعد أن أثارت في داخلي سؤالاً ملحاً هو كيف اننا اليوم، ونحن في عصر السيارة والكمبيوتر والميكروويف، لازلنا نؤمن بالكفوف والخرزة الزرقاء والخمسة وخميسة!
لقد نشأت فكرة التعاويذ والتمائم في العصورالبدائية حيث كان يستخدمها الإنسان البدائي ليقي نفسه من القوى الخفية الموجودة في الطبيعة، والتي كان يعتقد أنها ترسل عليه الأعاصير، والفيضانات، والبراكين، والزلازل، وتصيبه بالأمراض. وكانت عبارةعن تعاويذ بدائية تتدلى من خيط أو رباط يحيط بالعنق، تطورت فيما بعد لتصبح حلياً ومجوهرات تستخدم للزينة. وكانت التميمة أو الرقية المصنوعة من الخرز الأزرق هي أكثر التمائم شيوعاً واستخداماً، خاصة بين المصريين القدماء. أما سر اللون الأزرق فمرتبط بزرقة السماء..مسكن الآلهة التي تحمي الإنسان وتباركه.
وانتقلت فكرة الاعتقاد بالقدرات السحرية إلي الأحجار الكريمة، فبدأ الناس يؤمنون بقدرتها على صد الشر والقوي السلبية التي تحيق بالإنسان كالحقد والغيرة والحسد وخلافه.
أما أصل موضوع الكفوف وكيف أنها تقي من الحسد فيعود إلى طقوس السحر التي تؤمن بأن لكلٍّ عدد خواص معينة، وأن من خواص العدد خمسة الحماية. وكف اليد بها ذبذبات طاقة الدفاع وهي تمنع الأذى عن الإنسان إذا ما دُفعت في وجه العائن أوالحاسد. فيدفع المرء بكف يده بعد فرد الأصابع الخمسة في وجه الحسود مع ذكر العدد خمسة أو كلمات مرتبطة به كقولهم النهاردة الخميس ..الطفل وزنه خمسة كيلو ..وهكذا.
وفي ريف مصر ابتدع العامة رقية توارثوها جيلاً عن جيل خلطوا فيها بعض جمل الصلاة مع بعض العبارات المبهمة يرددونها من أجل صد العين ودفع الاذى.
هناك أيضاً عادة أخري لها أصل بدائي توارثناها عن القبائل البدائية في أفريقيا وحوض الأمازون وهي مرتبطة بطقس من طقوس السحر الأسود المسمى سحر الطوطم، حيث يُصنع تمثال من الشمع أو الخشب على هيئة الشخص المراد إيذائه ثم يحرق أو يغرس في قلبه سكين مع قراءة بعض الطلاسم لقتل هذا الشخص. أما عادتنا المقتبسة منها فهي عبارةعن ورقة تُقص على شكل آدمي وتوخز بالإبرة مع ترديد عبارة من عين فلان ومن عين علان حتى تُخرق الورقة كلها ثم تُحرق ويُبخر بها المحسود أو الشخص المراد رقيته.
عادات وتقاليد كثيرة تنأي عن الحصر ولو تأملنا قليلاً في خضم الموروثات الذي تحفل به نشأتنا وحاولنا رؤيتها من منظور جديد، لوجدنا بها الكثيرمن العمق والكثيرمن الطرافة أيضاً. وبصراحة لقد مرت فترة طويلة منذ أهدتني صديقتي هذه الخمسة وخميسة والحقيقة التي لا استطيع انكارها هي أن مشاكلي قد حلت والحمد لله. ولكني للآن لست أدري إن كان لهذه الهدية دخل في زوال الغمة أم إنها طبيعة الحياة التي لا تستقرعلي حال، كل ما أدريه هو أني لازلت احتفظ بها كتذكار جميل من صديقة عزيزة.