دولا أندراوس تكتب: كلام فارغ
قابلت صديقة لم أكن قد رأيتها منذ فترة طويلة جداً بالصدفة. استقبلتني بحفاوة غير متوقعة وهنأتني على إنتشار صفحتي على الفيسبوك وأشادت بمقالاتي أيما إشادة قائلة أن زوجها -الذي لم ألتقيه في حياتي من قبل- معجب جداً بكتاباتي وإنه يحتفظ بكل مقالاتي ولا يفوت لي شيئاً دون أن يقرأه. تحدثنا قليلاً ثم حييتها واستدرت لأنصرف في نفس اللحظة التي كان فيها زوجها مقبلاً نحونا فمكثت للتعارف والتحية. قالت له مشيرة إليّ دولا اندراوس يا جورج. لم يبد على الرجل إنه تعرّف على الإسم وقال في حيرة أهلاً وسهلاً.. فقالت له دولا اندراوس الكاتبة.. فزادت حيرة الرجل ونظر نحوي متسائلاً مش واخد بالي.. فقالت التي تحب متابعتها. فقال وهو يبتسم نصف إبتسامة وما زال لا يعرف ما تتحدث عنه زوجته.. آه أهلاً. سلمت على الرجل وانصرفت وأنا في قمة التعجب من هذا الموقف المحرج الذي وضعت فيه تلك المرأة زوجها بدون داع أو مناسبة.
أفهم أن هناك من يضطر لأن يقول كلاماً لا يعنيه تحت ضغوط معينة.. كأن يتعرض للتهديد، أو تكون لصراحته عواقب يتهيبها، أو يكون مدفوعاً برغبة في الادلاء برأي متوافق مع آراء الآخرين، أو يسعى لتحقيق منفعة ما لنفسه أو لغيره.. كل هذه مبررات قد تكون غير أخلاقية وغير مقبولة ولكنها على الأقل منطقية ومفهومة. أما الأمر المذهل حقاً فهو أن تجد من يقول ما لا يقصد بدون أي مبرر أو دافع وبدون أي سبب واضح.. فهو يتكلم لمجرد افتعال أصوات تنم عن وجوده، متبنيا شعار أنا أتكلم إذن أنا موجود وكأن أهمية الانسان تتعلق بمقدار كلامه لا بنوعيته وقيمته. العجيب أن نفس هؤلاء يصمتون ويحجمون عن التكلم في المواضع التي تتطلب منهم الكلام.. كالمواقف التي تستدعي نصرة المظلوم أو قول الحق أو تهدئة النفوس وإخماد العداوات.
من المشين أن يتعامل البعض مع الكلام بإستهتار لمجرد انه مجاني ونحن جبلنا على عدم تقدير الأمور المجانية. فإذا افترضنا أن للكلام قيمة مادية كالنقود، وقتها سنحسب حساب كل كلمة وسوف نتدبر جيداً كيفية انفاقها وحساب العائد منها. ليتنا ندرك أن الكلام مسؤولية وليس ترفاً.. وأن الكلمات غير المحسوبة التي تخرج من أفواهنا بإهمال أوبعدم مبالاة قادرة على تدمير النفسيات وإحداث اضرار بالغة في العلاقات قد لا نستطيع مداواتها فيما بعد٬ كما انها تفقدنا المصداقية وتدعوالاخرين لعدم أخذ ما نتلفظ به على محمل الجد.