دولا أندراوس تكتب: لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرية
كنت على وشك اظهار الموافقة والبدء في إجراءات شراء السيارة التي وقف بائعها يعدد لي ميزاتها، إلى أن وجدته يقول لي بثقة، محاولا أن يفحمني بالبرهان القاطع والدليل الدامغ على أنها سيارة لقطة وانني لا يجب أن أدعها تفلت من يدي: وفوق هذا يا مدام فهي إستعمال حريمي. كان المسكين يقصد أن استعمالها رقيق. لم يدر بخلده أن هذه العبارة قد تفسد الصفقة برمتها وتعيدنا إلى نقطة الصفر بعد حوار دام نحو ساعة أو يزيد. فقد كان معني كلامه بالنسبة لي أنها سيارة متهالكة، عداد كيلومتراتها مرتفع وكراسيها متهرئة وشنطتها الخلفية بالية ومليئة بالبقع من مختلف الدرجات والألوان.
فقد رأيت بعيني خيالي أطفالاً محشورين في الكرسي الخلفي في رحلات إسبوعية إلى التدريبات والأنشطة وأعياد الميلاد، ورأيت بقعاً من المكياج وبقايا الأطعمة ولبن الأطفال والحلويات والكاتشب منتشرة في كل مكان، كذلك رأيت كماً هائلاً من شنط المدارس وأكياس البلاستيك والكور والعدد وأدوات الرياضة مكدسة في الشنطة الخلفية، كما تصورت المشاوير اليومية إلى العمل والمدارس والسوق وزيارات الأهل والأصدقاء.
نعم تلك هي مرادفات المرأة بالنسبة لي. والمرأة المصرية على وجه الخصوص. المرأة المعجزة المنجزة التي خلقت لتكون عونا للرجل فإذا بها تضطلع بالمسؤولية كاملة وإذا بها تفوقه كفاحاً وجهاداً وصبراً. المرأة الصامدة صمود الدهر، التي لا تُعجزها المصاعب ولا تثنيها العقبات، والتي تحتوي الكل بأمومة خالصة وتحاول بصبر دؤوب إثبات ذاتها في مجتمع ذكوري ينظر إليها نظرة دونية باعتبارها أقل من الرجل شأنا وحضورا وفعالية.
تذكرت هذا الموقف عندما شاهدت طوابير الاستفتاء على الدستور محتشدة بالنساء. وشعرت بالفخر للدور الثوري المناضل الذي لعبته المرأة المصرية منذ بداية ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث وتفاعلات سياسية وأمنية. فلقد اظهرت قدرتها على إنتزاع دور فاعل لها في المعترك السياسي وفي بناء الدولة كما في سائر المجالات الاخرى مما دعا أحد اصدقائي لان يقول مداعباً لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرية.
لقد كانت المرأة المصرية سبباً مباشراً في سقوط الاسلاميين الذين نعرف أن من ثوابت فكرهم وأيديولوجيتهم اعتبار المطالب الحقوقية للمرأة إنتهاكاً صارخاً لثوابت الشريعة وخروجاً مدوياً على تقاليد وأعراف المجتمع الاسلامي، لكنها تصدت ببسالة لمحاولات تهميشها وقمعها ولم تتنازل قيد أنملة عن شخصيتها أوعن حقوقها. كما أنها لن تكف ولن تتراجع عن الكفاح من أجل اجتراح مكانة تليق بها في المجتمع، ذلك أن التاريخ والمنطق وسنة الحياة نفسها تثبت أن حضور المرأة في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية هو في النهاية إضافة حقيقية ومهمة جداً تصب في مصلحة الوطن: مصلحة مصر كلها.