تحت الصفر
إذ كنت أسير بخطوات ثابتة واثقة متحدية الظروف والعقبات والمشاكل والعراقيل التي يضعها البعض بطريقي، وأنا محددة الهدف متطلعة إلى مستقبل مشرق مثمر بكل تفاؤل وإقدام. إذ فجأة يبني أمامي حائط سور غليظ ضخم يصدني عن التقدم والمسير. سور بعرض طريقي وبدون أي مقدمات. لم أجد سوي هذا الحوار يدور بيني وبين نفسي لإيجاد حل، فأنا أريد إكمال رسالتي ومسيري حتى أصل إلى هدفي وهو “كيف أجعل حياتي وحياة من حولي مثمرة راضية سعيدة” حتى لو كان فيها الذي تنظر إليه قليل، كما لو كان كنز كبير ضخم.
وقتها تذكرت قول الرب للنبي " أرميا " في (أرميا 12: 5)" إن جريت مع المشاة فأتعبوك، فكيف تباري الخيل؟ وإن كنت منبطحاً في أرض السلام، فكيف تعمل في كبرياء الأردن؟". نعم بالرغم من المشاة بجواري كنت أجري والهث للحاق بهم، وكنت أخاف وأسير جوار الحائط كما يقولون. حتى وجدت نفسي وسط الجبال الشاهقة المرتفعة المتكبرة.... ماذا أفعل؟؟
"ماذا يفعل الصديق إذا انقلبت الأعمدة؟" (مزمور 11: 3) هل يقبل انقلابها ويسلم بالوضع على أنه طبيعي! أم يسير على يديه رافعاً رجليه أعلى حتى يراها معدولة؟؟ فحدثتني نفسي بالا أكون ضعيفة فلن أصبح "صرصاراً " يمشي على الحائط؛ أو جباناً فلن أكون "فأراً " ينقب تحت الحائط؛ ولن تتملكني قوة غضب "ثور هائج " لأنطح برأسي الحائط؛ ولم ولن أصبح مخرباً أهدم وأهد بفأس أو معول هذا الحائط؛ كما ولن أكون سلبياً لأستدير راجعاً في طريق أخر تاركاً الحائط.. ولكنني بقوة وبعد نظر سوف أتحول إلى "نسر" يحلق بقوة مجدداً شبابه لأطير فوق الحائط باحثاً في كبرياء الأردن على مستقبل جديد.
فكما يبدأ النسر بإنبات ريشه متخلصاً من ريشه القديم الذي حول شكله لكهل شيخ عديم الحيلة ينتظر القبر، هكذا عندما أنتظر الرب وأصبر له (اشعياء 40: 31) يصبح الكل قوي وجديد. "وأما منتظرو الرب يجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون".
هكذا قررت بدلاً من السلبية والبكاء على الظروف واللبن المسكوب أن أستمد طاقتي من "شمس البر والشفاء في أجنحتها"، رفعت عيناي إلى الجبال (كنسر) من حيث يأتي عوني معونتي من عند الرب صانع السماء والأرض، الذي لا ينعس ولا ينام. فإذا كانت أرض ميلادي ومسقط رأسي قد رفضتني؛ وأبي وأمي قد تركاني، إلا أن أبي السماوي الرب الاله يضمني. فالإله الذي أثمر بي في أرض مذلتي وعبوديتي، سوف يثمر بي في أرض غربتي، حتى أجد الراحة في المدينة السماوية حيث حضور الرب ونوره. فمن يضع يده على المحراث لا ينظر إلى الوراء بل يسعي نحو الهدف محققاً إرادة الرب الاله الصالحة المرضية بحياته.
هذه باختصار قصة كفاحي على مدى عشرين عاماً، كنت أعمل بمنصب مرموق كأستاذ في جامعة قوية رائعة، نشرت أربعة أبحاث منها واحد دولي، وذلك بعد حصولي على درجة الدكتوراه في الفن والتربية؛ كما أقمت ثلاث معارض فنية تشكيلية بمجالي التصوير والرسم؛ كذلك ثلاث كتب منشورة عن طرق تدريس التربية الفنية وتاريخها. ولكن الرب أغلق كل هذه الصفحة لأبدأ صفحة جديدة تحت الصفر في بلد مناخها تحت الصفر، وبما أن قرار لجنة الترقي أن أبدا من الصفر لذلك قررت أن أبدأ في بلاد أخرى بعيدة قاسية متكبرة.
وعندها تذكرت "أرميا" النبي وكيف كان يحذر الناس ويتعب ولكن الجميع اضطهدوه حتى أقرب المقربين وزملائه والرؤساء والملوك وغيرهم......لكنه كان دائماً يطلب الرب حتى بعد أن ذهب إلى السبي، فأنه كان دائماً يصطحب معه من له وبيده الأمر كله؛ كان متشدداً ومتشجعاً ليكمل المسير، قائلاً: جعلت الرب أمامي في كل حين أنه عن يميني فلن أتزعزع؛ الرب حصني ومعيني. هكذا قررت أن أكون مثله أضع يدي على المحراث، أنسى ما هو وراء وأتقدم، لاستمتع مع أبي السماوي بمغامرة جديدة؛ أرى فيها يده القوية وذراعه الممدودة لتعمل معجزات رائعة معي تشهد عن أمانته ومحبته ورحمته التي إلى الأبد تدوم، فأشهد له ويعلو نشيدي وأفرح به، متكلة عليه طالبة أن يشرق وجهه نحوي ويبتسم، فأشبع متى استيقظت بشبهه.