”توم آند چيري” قانون الغاب لا يحمي المغفلين.. لكن قانون السماء يفعل!!
اعترف إن وقت ما بدأت كتابة المقال، مكنتش أعرف إن د. عبد الوهاب المسيري يوما ما أتكلم عن كارتون "توم وجيري" من زاوية قليل اللي فكر يتناولها. وهي زاوية المعيار الأخلاقي للحكم على الأمور. وده في حد ذاته لو كان توارد خواطر بيني وبينه فهو لشرف عظيم ..هو خد باله من اللي كتير مننا ملقطش إشارته، وهو فقط بيتفرج ويضحك ويستمتع بمغامرات الفأر الذكي اللطيف اللي بيخطف عينك وحواسك بابتسامته، اللي رغم طفوليتها بتحمل قدر لا بأس به من الخبث اللذيذ، والعركة دايما بينه وبين قط مدهول، غبيز، لا يحسن التصرف ،وغالبا ما يفشل بسبب غباؤه قصاد الدهاء الشديد لچيري، الفأر المتطفل اللي وجوده بيزعج توم قليل الحيلة محدود الذكاء.
لكن المسيري واضح أنه طرق على الباب اللي محدش خبط عليه، وهي ثنائية الخير والشر في الكارتون ده اللي تاهت أو اتحط لها معيار آخر، عن مين اللي انتصاره على الآخر حق ..طبعا الذكي المناور الخبيث، لازم ينتصر وفق القانون ده الذكي على الغبي المدهول اللي على نياته.. مش مهم هنا مين صاحب الحق فيهم، ومين اللي من البداية على باطل.. ومن نفس المنطلق ده، وبعيدا عن نظريات المؤامرة تماما، تأملت بشكل شخصي من كام يوم لما صادفني أحد أفلام توم وجيري، لما لقيت نفسي على عكس ردود فعلي وانا صغير، متعاطف ومتضامن بشكل كامل مع القط توم المرة دي.
ولقيت إن مفارقة عجيبة إن أمريكا تحديدا .. شرطي الكوكب وعين أعيان الديمقراطية والحريات والقوانين وحقوق الإنسان، تكون صاحبة فكرة الكارتون ده .. وجبة من العسل الفاخر حسيت انه مخلوط بسم قاتل حتى ولو بدون قصد.. "توم آند جيري" كارتوني المفضل بكل أمانة في فترة الطفولة .. ضحكت كتير، تعاطفت كتير، فرحت اكتر مع كل فيلم بينزل تتر نهايته معلنا انتصار "چيري" الفأر اللطيف الذكي المراوغ، الضعيف يا ولداه والصغير الحجم بالنسبة لعبيط الرواية القط "توم"، اللي لا يتوقف ابدا عن مؤامراته وخططه لإيذاء چيري .. لكن هيهات.. الطبيعة نفسها والظروف زائد ذكاء چيري في صراعه مع الشرير محدود الذكاء "توم" بتكون نهايته غالبا انتصار چيري أو على أقل تقدير إقرار السلام بشروط جيري ورضوخ توم المهزوم.
لكن لما كبرت شوية .. لقيت إن مش بس چيري اللي ذكي .. اللي أذكى منه هو اللي خطف عقلي وحواسي بالصورة والمؤثرات الصوتية والبصرية ووجهني من غير ما ادرى أكره أو متعاطفش مع توم .. ووجهني أحب واستلطف چيري .. مع إن أصل الحكاية إن توم قط أصيل بيقوم بواجبه الشرعي في الدفاع أولا عن أصحاب البيت اللي بيأويه. وثانيا بيدافع عن وجوده وحياته وراحته ضد أي متلصص فوضوي ملوش الحق في الوجود جوه البيت .. أما جيري فهو في الحقيقة فأر متطفل فضولي مؤذي يعشق إثارة المتاعب والاعتداء.. حتى طبيعة وجوده جوه البيت بيكون جوه جُحر خفي، حريص إن محدش يأخذ باله منه لأنه عارف إنه بالنسبة للكل مجرد فأر، استقر في مكان وهو غير مرغوب فيه، وجوده مرتبط دايما بالفوضى والقرف والمرض والمعاناة.
عكس توم اللي دايما قاعد على مخدته بأمان وعارف إن محدش من أهل البيت هيأذيه.. توم كان حرفيا بيحمى المكان وبيحاول يحافظ على البيت .. وچيري هو اللي متطفل ومصمم يسيب بيئته الطبيعية وياخد حقوق مش حقوقه.. وبرغم كده وياللعجب، بيقدر كمان يكتسب حليف جوه نفس البيت، يشجعه على شره وخططه المؤذية، ويساعده ويدعمه ضد صاحب الحق ..الكلب "كوماندا " ..اللي دايما مقرر يقف في صف چيري دون سبب واضح ..لكن اللي هيركز معاه، هيقدر يتفهم سبب دعمه لجيرى..لما بنشوفهم كتير بيتشاركوا في اقتسام الطعام اللي كان من حق توم.. وكتير اتفقوا سوا على طرده وتهجيره من بيته، يترمي ضحية للبرد والشتات وسط ضحكاتنا كمشاهدين اكتفوا بالفرجة على معاناته، مستمتعين بالذكاء وحسن التخطيط.
قانون الغاب اللي الذكي فيه بس هو اللي يقش وينتصر. ومحدود القدرات ولو حتى صاحب حق لازم هو اللي يخسر وسط تصفيق المتابعين.. اظن وبشكل شخصي، حان الوقت اقدم اعتذاري لتوم، عن كل السنين اللي سيبت فيها حتة فار ملوش عازة ساب الدنيا كلها وجه بمؤامراته وشره اللي مخبيه ورا لطافته ووشه المبتسم عشان ياخد حق مش من حقه ويستوطن بيت القط توم بالتعاون المريب مع "كلب" .. وهو اصلا مكانه وبيئته الطبيعية البلاعات ومقالب الزبالة وتمامه لو دخل بيوت الناس الآمنين أنه يتضرب بالشبشب.