دردشة…بالعربي الفصيح:
”خيرت” تعمل…شراً تلقى!
ذكرت في مقالي السابق أني كنت حاضراً لحفل عمر خيرت الشهير الذي تم إلغاؤه في أغسطس ٢٠٢٣، وتلقيت بعد نشر المقال العديد من التعليقات المندهشة من بعض الأصدقاء متسائلين كيف أكون متواجداً في هذا الحفل ولم أتحدث عنه مطلقاً من قبل؛ فشعرت أنه يجب على أن أشارككم هذه التجربة تماماً كما خضتها!
سأبدأ المغامرة منذ أن حجَزنا تذاكر الحفل، شهرين مقدماً، عن طريق خدمة دفع "فوري" وكنا لا نزال في كندا آنذاك، لكننا لسبب ما لم نستلم التذاكر ولا وصلنا بالبريد الإلكتروني كما كان ينبغي! فقررنا النظر في الأمر عندما نصل إلى مصر! وفي مصر استطعنا التواصل أونلاين مع شركة Ticketsmall المسؤولة عن الحجوزات، واتفقنا أن نستلم تذاكرنا من أحد المنظمين يوم الحفل في الساعة السابعة مساءً على باب القاعة!
وفي تاريخه، استقللنا سيارة أجرة واتجهنا إلى حيث الحفل في فندق رويال مكسيم بالاس كمبنسكي! كان زحام لا يوصف على مدخل الفندق رغم أن قاعة الحفل كانت في القبو! وصلنا الساعة السابعة تماماً ونجحنا أخيراً في مقابلة منظم الحفل واستلمنا منه تذاكرنا، واندهشنا عندما عرفنا من التذاكر أن الموعد الرسمي لدخول الحفل هو الساعة السادسة مساءً، لكن كانت الساعة قد تجاوزت السابعة ولا يزال الناس يتجمعون ويتسامرون في القاعة الخارجية!
دخلنا قاعة الحفل ووجدنا أماكننا بسهولة! كانت قاعة أفراح ومؤتمرات عادية جداً وبها مسرح صغير، وليست مدرج عرض! لكن إلى ما هناك، جلست زوجتي وذهبت أنا إلى القاعة الخارجية مرة أخرى لأشتري بعض المشروبات! ودون الخوض في تفاصيل هامشية، مثل اختلاط طوابير الدفع مع طوابير الاستلام وتعطل بعض مكائن النقد، ورداءة الخدمة والمعاملات بشكل عام، قد استغرقت قرب الساعة تقريباً، مما أثار قلق زوجتي! وحتى بعد أن رجعت كان لايزال الناس يتهافتون على شراء المشروبات!
أصبح التوقيت ما بين الساعة الثامنة والنصف والتاسعة تقريباً عندما بدأت فرقة عمر خيرت بالدخول على خشبة المسرح والتحضير للحفل، ورغم هذا كان لا يزال الجمهور يتجول ما بين القاعة الخارجية وقاعة الحفل! بعد قليل، بدأنا نسمع أصوات مشاحنات مختلفة! معظمها كانت تأتي من الجهة الخلفية بالقاعة، وقليل منها من الجهة الأمامية، لكننا لم نكن نميز محتواها، إلى أن سمعنا رجل يصيح بغضب من الكراسي الخلفية ويقول:
- ايه الحفلة دي؟!! عايز اعرف من المسؤول عن الحفلة دي!!
ونفاجأ أن الجمهور بدأ يصفق له! ثم تناثرت المشاحنات هنا وهناك وكان يعقب كل منها تصفيق شديد من الجمهور، وقد ظننا أن السبب هو تأخر العرض! بعدها لاحظنا فرقة عمر خيرت تنسحب بمعداتها من على المسرح لتعود أدراجها خلف الكواليس، فهلع بعدها قليل من المتواجدين بمغادرة القاعة، وهم يشجعون غيرهم على المغادرة أيضاً بحجة "أن الحفلة دي أي كلام"! لكن كنت أنا وزوجتي، ومن حولنا، بالكاد نفهم ما يحدث! فسألنا وعرفنا أن مجموعة كبيرة من الجمهور لم تجد أرقام كراسيها، كما أن بعض الأماكن كانت محجوزة لأكثر من فرد! ولأننا لم نكن من المتضررين، قررنا البقاء في الحفل إلى أن نعرف تماماً ماذا سيحدث!
في حدود الساعة التاسعة -على حد ما أتذكر- خرج مسؤول الحفل على خشبة المسرح واعتذر للجمهور عن أي سوء تنظيم، لكنه لم يكمل حديثه حيث اعتدى عليه رجل ثائر من الجمهور! فتجمع حوله الناس (وأعتقد الأمن أيضا) وبعدها هدأ المناخ من جديد والتزم حشد كبير من الجمهور أماكنه! بعد نصف ساعة، خرج مسؤول الحفل مرة أخرى وقال:
- اي حد مش عايز يحضر الحفلة وعايز يسترد فلوسه، ممكن يتفضل يقابلني برة! بس اللي عايز لسة يحضر الحفلة وينبسط، يلتزم بمكانه والموسيقار عمر خيرت مستعد يكمل الحفلة معاكم!
شاع تصفيق شديد في القاعة من الجمهور الشغف لحضور الحفل، لكن أيضا فوجئنا بنفس الرجل الثائر يصعد على المسرح من جديد، ويهدد ويندد بأن هذا الحفل هو نصب واحتيال! فأجابه الناس بقوة وهتاف في نفس واحد: " اطلع برة، اطلع برة…الخ" لينتهي الهتاف بتصفيق حاد ونزول هذا الشخص من على المسرح!
وفي حدود العاشرة أو العاشرة والنصف، كنا لا نزال في أماكننا مع من حولنا من الجمهور، لكن لم يكن هناك أثر للفرقة ولا لعمر خيرت؛ فملت على زوجتي وهمست قائلاً:
- ما أعتقدش ان عمر خيرت هيظهر تاني بعد اللي حصل دا والوقت كمان إتأخر قوي!
وبالفعل، لم يمض وقت قليل حتى بدأت نخبة أخرى بالمغادرة قائلة: ان عمر خيرت أعلن إلغاء الحفل رسمياً على صفحته! فخرجنا من القاعة نحن أيضا بدورنا متسائلين كالبقية كيف نسترد ثمن التذاكر، لكن بلا إجابة قاطعة!
في تمام الساعة الحادية عشر مساءً كنا لا نزال في أجواء الفندق كبقية الجمهور والذي كانت من ضمنه الكاتبة والصحفية الشهيرة فاطمة ناعوت، وقد سررت جداً برؤيتها عن بعد! فقررت أنا وزوجتي أن لا ننزعج مما حدث بل نستمتع ببقية الليلة بتناول عشاء لطيف في أحد مطاعم الفندق؛ وفعلاً كان هناك مطعم مشاوي لبنانية وطاولات متاحة للجلوس حول حوض السباحة الخاص بالفندق! فجلسنا وأكلنا وضحكنا على كل ما حدث!
وبعد أن عدنا إلى كندا سالمين، تابعنا موضوع التذاكر مع Ticketsmall من جديد فأخلوا مسؤوليتهم عن الحفل وأخبرونا أن نتابع رقم محضر ١٢٠٥٩ جنح ٢٠٢٣ آخر التجمع إن كنا نود استرداد أموالنا، أو يمكننا حضور حفل مجاني بديل لعمر خيرت سيتم تنسيقه لاحقاً (مع العلم أن فكرة هذا الحفل أيضا لم ترَ النور)؛ وإلى هذه اللحظة يا حضرات لم نسترد ثمن التذاكر…وكل عام وأنتم بخير!