تعويم الجنيه.. كيف سيؤثر على المواطن المصري؟
تفاجأ المصريون بقرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، أو وفق المصطلح الشائع "تعويم الجنيه" ضمن حزمة من القرارات الأخرى، شملت رفع قيمة الفائدة على القروض والمدخرات بنسبة 6 %، بالإضافة لرفع القيود عن استخدام البطاقات الائتمانية بالعملة الأجنبية، إلا أن العديد من التساؤلات طفت على السطح، بشأن جدوى تلك الإجراءات، وأثرها على الاقتصاد، ومدى تأثيرها على المواطنين الذين يكافحون أزمات خانقة.
تأثيرات القرارات ربما ستكون مرتبطة بالقرارات التي ستتخذ في الأيام المقبلة، إذ أن الشكوك لا تزال قائمة بشأن التزام مصر بالإصلاحات الهيكلية التي كثيرًا ما أرجأت تنفيذها، ومن بينها تحرير سعر الصرف، وتخلي الدولة والجيش عن هيمنتهما على النشاط الاقتصادي؛ ونجاح الخطوة مرهون بألا تعيد الحكومة أخطاء الماضي، وألا تتوسع في المشروعات التي تستنفد الدولار دون أن يكون لها مردود اقتصادي.
وتمثل خطوة التعويم خفضًا كان متوقعًا لقيمة العملة؛ إذ كان القرار أحد المطالب الرئيسية لصندوق النقد الدولي؛ فبعد ساعات من صدور حزمة القرارات وافق الصندوق على قرض لمصر بقيمة ثمانية مليارات دولار بزيادة أكثر من ثلاثة مليارات دولار عما كان يجري الاتفاق عليه في السابق، بالإضافة إلى قرض "للاستدامة البيئية" بنحو 1.2 مليار دولار أعلن عنه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع مسؤولي الصندوق، ليصبح المجموع الكلي نحو 9 مليارات دولار.
وتباينت وجهات نظر الاقتصاديين في مصر حول القرار الذي تلاه إعلان اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فبينما اعتبره فريق منهم الحل الأمثل لأزمة الاقتصاد المصري المتفاقمة، وخطوة إيجابية للغاية ستقلل بشكل كبير من الفجوة بين الأسواق الرسمية والموازية، شكك فريق آخر في فعاليتها، إذ يخشى البعض أن يزيد من أعباء المصريين الذين يئنون بالفعل من وطأة ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة منذ سنوات.
قبل قرار "التعويم" كان سعر الدولار يعادل حوالي 30.84 جنيه في البنك المركزي، بينما تجاوز سعره في السوق الموازية الـ70 جنيهًا منذ بداية العام الحالي، وعاد الدولار للتراجع مرة أخرى بسبب إعلان الحكومة المصرية نجاحها في إبرام صفقة "رأس الحكمة" مع دولة الإمارات، التي بلغت قيمتها 35 مليار دولار، ودخول البنك المركزي المصري أول دفعة من هذه الصفقة.
ويرى المؤيدون أن التعويم سيسهم إلى حد كبير في القضاء على السوق الموازية، كما سيسهم في تحجيم التقلبات السعرية الحادة لمعظم السلع والخدمات، في ظل المعاناة التي تعيشها الأسواق المحلية منذ العام الماضي، وتسعير السلع بالدولار غير الرسمي، الأمر الذي زاد كثيرًا في مستويات التضخم، وساهم في ارتفاع الأسعار.
فيما يرى آخرون أن القرارات الثلاثة التي جرى اتخاذها - المتعلقة بـ "تعويم الجنيه" ورفع الفائدة، وإصدار شهادات استثمار بعوائد 30 %- إجراءات حاسمة، سيكون لها بعض الآثار السلبية على المواطن؛ لأن ارتفاع سعر الدولار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، خاصة مع حلول شهر رمضان، وزيادة الإقبال على تلك السلع.
الآثار السلبية للقرار – كما يرى المحللون - لن تتوقف عند المواطن الباحث عن "لقمة العيش" بل ستمتد إلى المستثمر المحلي؛ فتكاليف التمويل سترتفع بالنسبة للاستثمارات المحلية الحالية أو المستقبلية، نتيجة زيادة تكلفة الاقتراض، وارتفاع أسعار المواد الخام، ومستلزمات الإنتاج المستوردة، مما يعكس زيادة على تكاليف الاستثمار، وانخفاض الأرباح لرجال الأعمال المصريين.
ويرى مراقبون أن "استقرار نظام السيسي وعدم تراكم أزمات داخلية كبيرة مهم للمنظومة الإقليمية والدولية لأن أي اضطراب في مصر سوف يمتد إلى باقي دول الإقليم الساخنة أصلا في الشرق والغرب والجنوب، من قطاع غزة إلى البحر الأحمر والسودان وليبيا، ووفقا للقوى الدولية فإن السيسي هو الضامن الوحيد لعدم انفجار الأوضاع، وبالتالي فلا مجال للتخلي عنه بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ووقف هذه التدهور يعتمد على دعم مالي لا يشكل أي عبء على الدول والمؤسسات المانحة من أجل عدم الدخول في تداعيات لا تعالجها أي أموال".