هل أنت مقاوم... ولا ... إرهابي؟!
عجيب العالم ده يا أخي! مليان بشوية مصطلحات كده، تشعر بها أنها رنانة ووقورة.. مليانة عظمة ومهابة وسمو .. دعايتها قوية تمتع الآذان، وتحسسك إن الدنيا لسه بخير، وإن العدل والمساواة قيم عظيمة تعلو على الجميع، والكل يخضع لها .. بس هي في الحقيقة عبارة عن شعارات جوفاء.. يفط مضيئة تصلح لاستخدامها في افتتاح محل كشري، أو عربية كبدة .. زي مثلا المجتمع الدولي، مجلس الأمن، القانون الدولي.. سيادة القانون، القضاء الشامخ، دولة المؤسسات.. كل المصطلحات دي أول ما بتسمعها، بتنتابك القشعريرة.
وتتخيل إنك قدام هيئات ومنظمات محترمة، وهي في الحقيقة غالبا ما بتبقى فارغة جوفاء وتابعة بسحر المال والنفوذ والسلطة لقوى أعلى منها، ومهمتها خدمة مصالح وأهداف القوى دي وتمرير قراراتها. وتزويق الإجرام والفساد، برشة دوكو فرن نزاهة وقانون .. وهما أصلا التجسيد الحرفي لكل معاني الباطل والحرام.
من اكبر الأمثلة على ذلك، هو طريقة تعامل صفوة المجتمع الدولي وزبدة البشرية الراقية، مع فكرة الإرهاب كتعريف عموماً. ومين اللي يتوصم بوصمة الإرهاب ومين لأ.. فقد ظل تنظيم القاعدة لسنوات في نظر العم سام، حركة مقاومة شريفة وعظيمة ضد السوفييت الأشرار.. كانوا مجاهدين..اه والله كنت أحب اسمع الأمريكان وهما بيقولوا كلمة "موچاهدين" بلكنة إنجليزية أمريكية لطيفة، حتى تعارضت المصالح وانفض المولد، فصنفت تنظيم إرهابي ملاحق جنائيا، والكل يطالب برأس بن لادن زعيم "الموچاهدين" حيا أو ميتاً.. والأمثلة على كده كتير .. فالكل "موچاهيد" حسب هوى ومصالح العاهرة .. والكل إرهابي حين تسقط الطائرة.
أكبر مثال بنشوفه على ازدواج المعايير، اللي بتتعامل بيه الدول والحكومات، في ملف الجماعات والتنظيمات، اللي بتتصنف إرهابية، هي حركة المقاومة في فلسطين.. احترت واحتار دليلي مع معاييرهم ومرسيتش معاهم على بر؟ المقاومة الفلسطينية تسأل.. انا بنت مين يا دادة؟ هي الآن وحالا حركة مقاومة احتلال بتدعمها كل المواثيق والقانون الدولي التي أجازت حق مقاومة المحتل "بكل" الطرق، ولا منظمة متطرفة إرهابية؟
توصيف كلمة إرهاب في القانون الجنائي، هو باختصار الفعل العنيف، اللي هدفه نشر الخوف والذعر لتحقيق أهداف ومصالح، الإرهاب هو انك تاخد من العنف وسيلة، ضد تنظيم سياسي، أو أتباع دين أو عقيدة مخالفة لتوجهاتك، أو تيار مخالف لأغراض الجماعة الإرهابية دي مثلا.. كل ده اسمه إرهاب، والإرهاب مصطلح مشتق من لفظ ترهيب.. الإرهاب جريمة لأنه بيهدد سلامة المجتمع، وبيتوجه ضد المدنيين العزل المسالمين.. يعني من الآخر، الإرهاب هو كل ما يتم من جرائم في حق الشعب الفلسطيني..
مصطلح الإرهاب ملوش وجود، إن تعلق الأمر بمواجهات عسكرية بين طرفين مسلحين.. جيوش نظامية بتتنازع على ارض أو مصالح أو نفوذ سياسي وعسكري .. هذا قانون الحرب وأدبياتها .. لكن في الزمن ده، وسط سيل الأكاذيب ولوي أعناق الحقائق، هل للإرهاب تعريف تاني عند الحكومات.. عند المجتمع الدولي ومؤسساته الشيك الراقية المستحمية المتعطرة؟
نعم عزيزي القارئ. . مصطلح الإرهاب، حسب الطلب وأوامر الناس اللي فوق، بيتحول لوصمة مزيفة ورمي بلاء مضمون ومجرب.. بيتحول لتهمة، يقتلوا بيها خصمهم معنويا. ويحطموه تماما سياسياً واجتماعيا وأحيانا اقتصاديا.. وكله بالقانون عشان الناس متاكلش وشنا، وكم من جرائم ترتكب تحت يافطة القانون الدولي وحقوق الإنسان..الحظر والاستبعاد.. التنكيل والتركيع والسطو إن أمكن على المال والممتلكات. وكله بما لا يخالف القانون.
انت متهم بالإرهاب، إن قرر القانون الدولي إنك إرهابي وان كنت لم تحمل سكينة مطبخ في حياتك لتقطيع حبة طماطم.. وستجد بشرا ذهبت أعمارهم هباءً خلف أسوار السجون، والتهمة إرهابي.. هناك من بيدهم الأمر، هما اللي يملكوا تحويل الإرهاب، من تهمة واضحة، معاييرها محددة، لتهم توبها فضفاض، معاييرها مش في أيد النصوص القانونية والعدالة العمياء.. معاييرها في أيد اللي بيحكم، اللي مسيطر، اللي معين نفسه أمين شرطة الكوكب، وحامي حمى الإنسانية، وملجأها من بطش المجرمين، حتى لو كان هو ذاته، يستقطع من ضرايب مواطنيه نسبة، لدعم آلة القتل وسفك دماء الأبرياء.. أو في قول آخر "الحيوانات البشرية".. هو اللي من حقه يقول على ده إرهابي والكل يخضع لقراره، وهو اللي يقول على ده في حالة دفاع عن النفس، والكل برضه يقول له حاضر.. وهو برضه اللي من حقه. وحسب المواءمات والمصلحة، يقدر يعفو عن الإرهابي ده.. ويقنعك أنه خلاص مبقاش إرهابي ولا حاجة، ويدعوه للعشاء والمؤتمرات الصحفية، ونشوف صورهم في الجرايد والإعلام وهما بيتصافحوا بود وحميمية..
وحتى يتفق العالم الحر الديمقراطي على تعريف محدد للإرهاب.. فأنا سيظل رأيي أن كل فصائل المقاومة هي الآن وفي هذه اللحظة، حركة مقاومة وجهاد ضد احتلال، بتمارس حقها بالقانون والمواثيق الدولية في الدفاع عن أرض بلدها ومقاومة محتل غاصب سفاح.. حتى لو صرخ العالم الحر النزيه المدير ظهره لجرائم الصهاينة، واتهم المقاومة أنها سبب معاناة الناس وموتهم بسبب مواجهاتهم مع العدو الخسيس.. وكأن ذلك الكيان الاستيطاني البغيض لا يمارس منذ 75 عام، كل سياسات الفصل العنصري والإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من العالم كله.. كل هذا لا يشكل فارق.. فالحق حق والمقاومة واجب..