أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

دردشة…بالعربي الفصيح:

حكاية ”أبونا”…و اللي جابونا!

انتشر مؤخراً على السوشيال ميديا فيديو بعنوان "بونا"! وهو حلقة أولى من مشروع مسلسل تمثيلي ذو طابع وثائقي لمخرج اسمه أندرو اسحق وهو نفسه بطل الحلقات! ما كنت سمعت عن هذا العمل من قبل، لكني لاحظت مشاركات بعض أصدقائي لرابط الحلقة الأولى؛ وظننت في البداية انه فيلم وثائقي يناقش فكرة ابونا السماوي، والبنوة للآب الذي أوضحها لنا السيد المسيح له المجد، لكن اتضح انه مسلسل يسرد قضية كاهن قبطي من الجيل الثاني في إحدى كنائس المهجر، لكنه حديث الكهنوت! ومن الواضح أيضاً أن الحلقة الأولى هي الوحيدة المتاحة حالياً، ولم يصدر من المسلسل أية حلقات أخرى بعد!

لا أود أن أفسد عليكم مشاهدة المسلسل، لذلك سأقوم بعرض سريع للقضايا التي تعرَّض لها الفيديو دون الدخول في التفاصيل؛ فعندما تشاهد الحلقة الأولى من "أبونا" ستجد أنه يطرح قضية السطحية البالغة في الإيمانيات والاعتماد على الحفظ والإجابات النموذجية فيما يخص إيماننا بدلاً من الفهم واستخدام العقل، والتي بسببها نحيا الآن الصراع الأزلي على اللغة المستخدمة في الصلوات: العربية أم القبطية أم الإنجليزية!

وهذا النزاع أيضا يظهر بوضوح في الحلقة الأولى ويظهر معه صدمة البعض عند اكتشافهم أن معظم اللغة "القبطية" المستخدمة، هي أصلاً يونانية! فأي تراث نحمي إذن؟! ونشاهد ايضاً الصراع بين الأجيال، وبين العادات والتقاليد والإيمانيات والخلط الدارج والخطير بين الإيمان والثقافة، وبالتالي الوهم الشائع الذي يهدد باختفاء الإيمان إذا ما اختلفت الثقافة!

كما تطرق الفيديو بتحفظ شديد إلى فترة التدريب التي يتلقاها الكاهن وهي الأربعون يوماً في الدير! وعلى الرغم من اتباعنا فيها للسيد المسيح الذي قضى أربعين يوماً في البرية قبل خدمته، إلا أنها فترة غير كافية عملياً لمواجهة شعب كامل بمختلف توجهاته ومشاكله! فالتلاميذ تتلمذوا ثلاث سنوات على يد المسيح، بنيت فيهم شخصياتهم ومفاهيمهم الكتابية وروحانيتهم؛ وبالطبع مع تعضيد الروح القدس الذي حصلوا عليه في اليوم الخمسين ظهرت هذه التلمذة بشكل تطبيقي ناجح!

إحدى المشاكل الأخرى التي يتعرض لها الكاهن في مسلسل "ابونا" هي توقع الشعب النمطية في الخدمة! فكثيرٌ منا لا يرتاح للتغيير، وبالتالي يود من الكاهن الجديد أن يكون نسخة طبق الأصل ممن سبقه! وان لم يتحقق هذا، يبدأ التذمر والتنمر على هذا الكاهن! وهذا يتنافى مع منهج المسيح وبشارة الإنجيل! فلا يهم الأسلوب ما دام الكاهن يعكس فكر المسيح! وفكر المسيح يجب أن يكون هو فكر كل واحد منا! عندها تتوحد الخدمات على الرغم من تنوعها، ونتمسك جميعنا بالهدف لا الوسيلة، وبهذا تبني أعضاء جسد المسيح بعضها البعض! ولذلك، إن لم يكن عند الكاهن فكر المسيح، يجب أن يوجّه وينصح مرة واثنان وثلاثة وأكثر بحكمة عضواً في جسد المسيح هو الآخر!

كما يسلط "أبونا" الضوء على مشاكل الشباب من الجيل الثاني ومنها النميمة والغيرة والإحساس بالاختلاف المزمن بينهم وبين من حولهم! وتطرق المسلسل أيضا إلى بعض مشاكل المهاجرين الأقباط من الجيل الأول مثل رغبتهم في الانتماء إلى المجتمع الغربي وفي الوقت ذاته رفضهم تطوير أنفسهم، مما نشأ عنه تشويه لهويتهم المسيحية! ويلاحظ أيضا، بصورة مستترة، في هذا العمل كيف أن لجنة الكنيسة تتكون فقط من رجال كبار في السن، وتفتقر للشباب والسيدات.

في المجمل، عَرضت الحلقة الأولى من "ابونا" العديد من المشاكل بشكل جريء وباحترام لم يسبق له نظير، لكنها لم تقدم بعد أي حلول، وأتمنى من كل قلبي أن يتم اقتراح حلول عملية في الحلقات القادمة؛ ولنصلي أن يتم هذا قبل أن يتلقى صانع هذا العمل الانتقادات السلبية والحرمان من الكنيسة الأرثوذكسية!

لان البعض سيحسب هذا المشروع تعدياً على مجتمعاتنا الكنسية بدلاً من كونه محاولة لإظهار السلوكيات الخاطئة من أجل الإصلاح؛ لأننا، كما ذكرت في إحدى مقالاتي السابقة، شعب يكره النهايات المفتوحة التي تدعو إلى التفكير، بل نميل دوماً إلى استلام العبرة الواضحة الناصعة البياض! ويا ليتنا نأخذ العبرة كي نطبقها، لكن لوضعها في داخل إطار مزخرف جميل على الحائط، فتراها أعيننا فقط، ولا تحياها قلوبنا! لهذا سيسيء الناس فهم مسلسل "أبونا" بكل تأكيد إذا انتهج فكرة النهاية المفتوحة، لأننا نتاج حفظ الإجابات النموذجية من مناهج الوزارة، ولم نعتد على تشغيل عقولنا لنعبر عن رأينا الشخصي، فتحول رأينا الشخصي إلى مجرد محفوظات حفظناها وندافع عنها بكل جوارحنا، وهي، مع الأسف، لا تعكس ما يجب أن نؤمن أو نحيا به!