هل انتهى عالمُنا الحقيقي؟
أحداثٌ مُتسارِعة غير مألوفة استولَت على حياة البشَر حول العالم لا سيما بعد عام 2011م، شيئًا فشيئًا بدأ ذاك العالم البسيط المُمتِع الذي يحكم ظاهِره المبدعون والأذكياء ينكمِش ليحتل مكانه عالم أكثر تعقيدًا وشراسة مُتنكرًا بصورة الأسهل والأجمل وربما الأكثر كمالاً، ولعل من أبرز معالم هذا العالم الجديد هيمنة الرأسماليَّة على كُل شيء، وتغلغلها في حياة الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة لخداعهم وسلبهم مُعظم أموالهم برضاهم عن طريق وسائل مُختلفة منها القروض المصرفيَّة طويلة الأمد، والتي تستعبدهم في وظائف تدهس أرواحهم جيئة وذهابًا بينما يُصفقون ببهجة على تلك السرقة لأعمارهم والتدمير البطيء لعافيتهم النفسية ثم الجسدية!
في هذا العالم الجديد نلحظ سلبًا واضحًا لصور مُختلفة من الحُريات الشخصية، فآلات التصوير المُنتشرة أمام المتاجر والبيوت وفي الشوارع تُسجل أدق حركاتك دون إذنٍ منك، والدفع ببطاقتك المصرفيَّة يجعل تحرُّكاتك ونفقاتك مكشوفان بصورة كاملة أمام جهات متنوعة، وهاتفك المحمول يُخزِّن عنكَ معلومات قد تتمنى ذات يوم أنت شخصيًا نسيانها.. ثمة انتشار واسع للاضطرابات النفسية المُعلنة التي تصعب مُعالجتها إلا بالعقاقير الطبية التي ترتق الفتق من جانب لتتسبب بأكثر من فتق وشق وصدع في جوانب أُخرى.. لم تعُد طموحات الأجيال القادمة التورُّط بمهن تتطلب مجهودًا دراسيًا مُضنيًا وشهادات جامعية عالية؛ معظمهم يطمحون لأن تكون مهنتهم "بلوجرز" على تيكتوك أو صانعي محتوى – مهما كان سخيفًا- على يوتيوب وسناب شات لكسب المال من المُشاهدات أو الإعلانات! لم يعُد الناس قنوعين راضين بما قُسِمَ لهم على أمل أن يُنقذهم صبرهم واجتهادهم، أدنى سلالم المُجتمع تريد ما عند أعلاه دون بذل مجهود!
العقلاء الراشدون صاروا قلائل، أو ربما كانوا دائمًا قلائل لكنهم أصبحوا أقل فأقل مُقارنة بالسفهاء، وبعد انتشار الأغذية المُبالغ في تصنيعها رغم ما تتسبب به من أمراض خبيثة؛ انتشرت ظاهرة "عمليات التجميل" دون سبب حتى عند عامَّة الناس مادامت أقساط القروض المُيسرة توفر لهم الإيغال في هذا الجنون إلى درجة أنهم صاروا يدفعون مبالغ طائلة لتغيير أشكالهم من باب التسلية وحدها دون حاجة حقيقية مُلحَّة!
يبدو أن عالمنا الطبيعي البريء يتبخَّر، ولا يمكن أن يتم تبخره بالسرعة التي نلحظها إلا إن كانت ثمَّة أطراف خفيَّة تستغل البشر لتحقيق أهدافها العالمية بتجنيد غبائهم واستعباد سذاجتهم وامتطاء قلة وعيهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسهُ الآن: تُرى ما القادِم بعد كُل تلك الصدمات؟ وهل ستكون الصدمات القادمة قابِلة للتحمُّل أم ستتسبب بأزماتٍ لا يُحمد عُقباها في المُجتمعات؟