”أولاد الناس”... والمجتمع المحافظ
في بلدنا مصر كلنا نعلم أن كلمة "أولاد الناس" تقال لكل من لهم حسب ونسب أو أصحاب سلطة وجاه أو من يمتلكون أموال ومشاريع وإنجازات محلية أو عالمية وقد تقال لأشخاص ليس لديهم ثروة أو سلطة أو أصل ولكنهم يتصرفون ويسلكون في حياتهم بمبدأ سواء كان أخلاقيا أو دينيا أو حتى مكتسب من البيئة المحيطة.
ولكن مع الأسف الشديد إن كلمة "أولاد الناس" في معناها الذى أوجدت له لا تعنى أي من هذه المعاني ولكنها في وقتها كانت تعنى شيء على النقيض تماما لما نستخدمها له اليوم، فأولاد الناس بمعناها الحقيقي قد قيلت في المماليك والمرتزقة الذين لا اصل لهم أو غير معروفين النسب والانتساب أي لقطاء، ولدوا سفاحا، لا أب معلوم لهم، وكان في تلك الفترة يكثر بيوت الرهط والرايات الحمراء وزواج المتعة والمسيار ونكاح الجهاد، مما نتج عنة الآلاف من الأطفال الغير معرف أصولهم، ولذلك سموا أولاد الناس.
وهناك أيضا مسمى دارج في أوطاننا العربية وخصوصا مصر يستخدمونه عندما يريدون أن يبرروا الجهل والتخلف العربي أمام العالم، ألا وهو "المجتمع المحافظ" ولشرح المقصود من المجتمع المحافظ يجب أولا أن نفرق بين "المجتمع المحافظ" و"السياسات المحافظة" والتي تعنى سياسة الاحتفاظ بالمؤسسات الاجتماعية التقليدية.
أما تعريف "المجتمع المحافظ" فهو مواقف اجتماعية تتطور داخل المجتمع كرد فعل لما يقوم به اليسار من إلغاء القيم الأساسية للحياة الاجتماعية لبلد، ما مثل حق الإجهاض واللادينية والإباحية وغيرها من الحريات التي ينظر إليها المحافظون على أنها تهديد للأمن والقيم الاجتماعية.
أما عندنا نحن العرب فمعنى "المجتمع المحافظ" هو المحافظة على الموروث البدوي العفن ورفع سيف الدين في كل ما هو لتحديث وتنوير المجتمع، وبالتالي يتحول تعبير "المجتمع المحافظ" إلى خنجر مسموم في ظهر البلاد التي تريد تحديث نفسها، وان تبعد عن الفكر الديني المتطرف فمثلا لا يسمح بحرية المرأة في مجتمعاتنا العربية لأننا "مجتمعات محافظة" ولكن يسمح بأن تتزوج الفتاة عندما يصبح سنها تسع سنوات، لا يمكن للفتاة في بعض بلادنا العربية أن تسافر بمفردها لأننا "مجتمعات محافظة" ولكن يمكن أن تغتصب ويتحرش بها ويهتك عرضها لأننا "مجتمعات محافظة" متدينة لا تحب الذباب المكشوف.
ولأننا محافظون بطبعنا فلا حرية للدين لأننا نحافظ عليه وان حدث يكون "ردة" تستوجب القتل بصحيح الدين، ولكن عادى جدا أن تخطف فتاة صغيرة وقاصر وتجعلها تغير دينها وتحرق قلب أهلها عليها، لأنك تحافظ على الدين، الاختلاط بين البنات والأولاد حرام لأنه يخالف الدين ونحن "مجتمع محافظ" ولكن انتشار الإيدز ففي بلادنا العربية بنسبة زيادة ٢٧٥٪ منها ٢٨٪ اتصال مباشر بين الذكور بعضهم ببعض، وغيرها من العادات الشاذة التي ندعى إننا نحافظ عليها ولكن نتجاهل أن نحافظ على ثقافتنا أو مستوى تعليمنا أو نظافة شوارعنا أو أخلاقيتنا الفطرية أو إبداعاتنا الفكرية، فهذه ليست من الدين بشيء.
والآن لننظر إلى المجتمع المصري بالمجمل نجد انه مجتمع "أولاد ناس محافظ" بمعناة البلاغي فمن يقال عليهم أولاد ناس في مجتمعنا هم أولاد لصوص، مرتشين، تجار مخدرات، ناهبي بنوك، سارقي أراضي، سارقي أثار، مغتصبي حقوق الشعب، يتاجرون بدمائنا اغتنوا من حيث لا يعلم أحد ولكن الدولة تعلم ولكنها تحافظ عليهم باستخدام الدين لأننا "مجتمع محافظ".