قرار الفيزا وسحابة الصيف التي ولت Canada’s New Immigration ... A Miscalculated Crisis بعد لاس فيغاس.. أبوظبي تبني ثاني مجسم عملاق للكرة الأرضية مواطنون يرسلون حيواناتهم الأليفة للعمل في المقاهي جدري القردة يودي بحياة أكثر من ألف شخص الجلوس الخاطئ في السيارة قد يهدد حياتك! ما هي ”نظرية أكتوبر” التي تساعد على تنظيم حياتك؟ شخصان يتواصلان في الأحلام.. فيلم ”إنسيبشن” يتحول لحقيقة نصائح مثالية لمواجهة مخاطر المعاملات المصرفية عبر الإنترنت تسلا تقدم طلب تسجيل ”روبوت تاكسي” علامة تجارية حصرية فوبيا ”الشَعر” ... وفوبيا الحياة هل تفكر مصر في تصنيع السيارة الكهربائية؟

إن جالك الطوفان!!

قال على رأي المثل! تلك الجملة السحرية، التي ما أن وصل النقاش إليها، وجب على من يستمع لقائلها التوقف عن الكلام احتراما لحكم ووصايا الأجداد، والانتباه لما سوف يستطرده بعدها .. فهو يستعد الآن لحسم المسألة الجدلية، بالأساليب التعبيرية الشعبية من الميراث الإنساني للآباء الأولين.. خلاصة الحكمة التي تعكس ثقافة المجتمع، وتجسد عاداته وتقاليده وتصوراته وأفكاره.

حكمة الماضي الشفهية التي صاحبتها مواقف أو قصص أو أحداث، تستخلص منها العبر والدروس.. إلا أني كنت أتمنى أن يكون هناك تأريخا معتبرا، يوثق بشكل أكثر دقة، تاريخ المثل، وإسم صاحبه، وأول من قرر يفتح فمه ليترجم ما يجول بخاطره وعقله وضميره، في صورة مثل وحكمة وجملة مأثورة، يتلقفها الناس وتتناقلها الأجيال، حتى يتسنى لي، وبكل أريحية وقناعة أن ألعن وأسب بالاسم والصفة، من رأى أنه وجب عليه يعلم الناس أن "الجُبن سيد الأخلاق"، أو أن أهين وأصب جام غضبي على ذلك النذل الانتهازي الذي أوصى بأن "لو خرب بيت ابوك خد لك منه قالب"، وأن أصفه بالوضاعة من أقترح على البشر "إن جالك الطوفان حط ابنك تحت رجليك"

يؤرقني صراحة أن ذلك المثل الأخير الحقير مجهول المصدر .. لكن ما يرعبني أكثر أن تلك الفكرة لاقت لها رواجاً ، واستحسنها فئات من الناس ، وأطلقوا على هذا الهراء لقب " مثل شعبي" .. تلك المفارقة هي من جعلتني أفكر كثيرا وأتأمل أكثر.. من ذلك العبقري الذي اقترح على المقاومة الفلسطينية، إطلاق اسم "طوفان الأقصى" على عملية السابع من أكتوبر 2023 .. هل جاءه الوحي دون سبب محدد، فاقترحه على إخوته فلاقى القبول؟ أم إنها كانت دون اسم، حتى رأى المجاهدين الذين امتلأت رئاتهم بنسمات الوطن في أرضهم المحتلة، أن اجتياحهم الهادر برا وبحرا وجوا، يشبه موجات تسونامي التي ضربت سواحل مدنهم الجميلة المغتصبة، فقرروا تسمية العملية بهذا الاسم! ..لا أعلم ، ولكن ما أعلمه يقينا أن الطوفان قد حدث.. وأن الفُلك كان حاضراً يبنى على مهل.. فُلك عظيم وكبير ..كبير لدرجة أنه يتسع لكل سكان الأرض، لكل كائن بشري يمتلك عقلا وفكرا وقلبا وضمير.. فُلك لم يبن من جذوع أشجار الليمون والزيتون الصامدة من مئات السنين، حتى وإن أقتلع أعداء الحياة الملايين منها.

الكل يعلم قصة سيدنا نوح عليه السلام.. المسلم والمسيحي واليهودي يؤمنون أن نوحا حضر، وأن دعوته حق .. تختلف التفسيرات والتأويلات لحقيقة ما جرى على وجه الدقة، لكن الكل يتفق على أن فُلكا عظيماً قد بُنى، وأن طوفانا كاسحا قد أتى، وأن من سمع وصدق وآمن بأن نجاته وفرصته الأخيرة للحياة والتوبة، هي أن يصدق على دعوة هذا الرجل، ويستقل معه السفينة التي أعطاها من عمره وعرقه ودمه سنوات ليشيدها ملجأ لمن سمع النداء، وصدق على دعوته وأطاع أمر الإله، والكل يعلم أن من استهان وكابر وتجاهل النداءات لسنوات طوال، قد غرق وهلك غير مأسوف عليه.

كل هذا قد حدث، لكن نوح أيضاً حينما جاء أجله ومن رافقوه فقد ماتوا .. مات نوح ولا نعرف الآن أين سفينته التي أنقذته حينها ومن معه.. مات نوح وبقي الأثر .. بقيت الرسالة والحكمة والعظة .. لكن طوفان نوح لا يشبه طوفان الأقصى.. ولا المجاهدون يمتلكون فُلكا.. سيدنا نوح قد دعى أهله وعشيرته وبني جلدته للنجاة، فقبل من قبل وأبى من أبى.. أما فلسطين الحبيبة فهي سفينة الحقيقة .. سفينة الحق ناصع البياض والوضوح.. سفينة ليست من هيكل خشبي وشراع ومجداف.. سفينة راسخة مستقرة صامدة، مهما علت من حولها الأمواج، وأرهقتها الرياح والعواصف، وضربت جدارها حيتان البحر ووحوشه الضارية.

سفينة تختلف عن سفينة نوح التي دعى لها قومه، فهي فلسطين، سفينة الإنسانية كلها، ومن دخل إليها وعانقها فهو آمن.. من اعتذر لها عن تقصيره، ووقف مبهوتا معجبا، مبهورا بصمودها وصبرها ورجاءها الذي ينقطع فهو آمن.. من مد يده ليضمد جراحها، ووقف على حوافها يهتف بحياتها، يطالب بحريتها في العيش والصيد والإبحار فهو آمن.. من رأى طوفان الأقصى، طوفان الحقيقة هادرا يكتسح الزيف والتدليس والرخص، وتكشف أمواجه العاتية، كم هي ضعيفة أبواق النفاق والغش والإجرام.

من رأى كل ذلك ولم يهرول للسفينة قانعا متيقنا، أنها هي، وهي فقط سفينة الحق والعدل والإنصاف، فهو رافض للحق، مقاوم للعدالة، متمترس في كتيبة الزور والبهتان، مستحق بجدارة أن يغرق للأبد في مستنقع الأكاذيب والظلم والعنصرية، مستحق أن يغوص في الوحل، بإنسانيته المزيفة وانحيازاته الموجهة الانتقائية وازدواج معاييره الأخلاقية.. وتبقى سفينة فلسطين عالية مستقرة، مؤمنة وصابرة ومحتسبة.. تبحر بثبات بعون الله إلى بر الأمان، مخلفة وراءها من غرقوا وأهلكهم ... الطوفان