المواطن البسيط يعاني من ”الغلاء” وارتفاع الأسعار في الشرق والغرب
حالة من الضيق يمر بها الملايين عبر الاقتصاديات والمجتمعات المختلفة، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، سواء كان هذا في المجتمعات في الجنوب النامي، أو الغرب المتقدم. الطرفين على السواء يعانون من التضخم وارتفاع الأسعار والاستياء تجاه أداء حكوماتهم.
الاختلاف الرئيسي في مواجهة موجة التضخم في المجتمعين، علي الرغم من استمرار هذه الموجة السلبية لارتفاع الأسعار لأكثر من 3 أعوام، أنه في المجتمعات النامية في الجنوب، بسبب الروابط الاجتماعية والتكافل الاجتماعي علي المستوي الشخصي والإنساني، نجد أن الإنسان الميسور الحال ربما يمكنه أن يقدم يد العون أو الدعم المالي لمن يطلب المساعدة، مع مراعاة أن هذا الأمر يحاط بمخاطر شخصية ونفسية، حسب سيكولوجية، كل شخص وتحمله طلب المساعدة من شخص آخر، وكل ما يحمله من قبول أو رفض لتقديم المساعدة.
علي الجانب الآخر، في المجتمع الغربية، هناك فئات عديدة تعاني من التضخم وارتفاع الأسعار، بل أنه هناك فئات كثيرة تحولت من الطبقة المتوسطة للطبقة الفقيرة، كما هو الحال بالنسبة لكل من كندا والولايات المتحدة، وزاد الإقبال علي بنوك الطعام والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تقدم مساعدات غذائية للمواطنين والمهاجرين المقيمين، خاصة وأن سلة المواد الغذائية وما تشهده من قفزات سعرية كبير، يرهق كاهل الأسرة، الزوج والزوجة، وغيرهم، وهو ما يفرض علي بعضهم أن يلجأ إلي هذه التنظيمات من أجل تقليل بند من بنود الإنفاق.
كما أن التنظيم المؤسسي للمجتمعات الغربية، على المستوي المالي والنقدي، يجعل كل شخص لديه خطوط ائتمان، بمعني أنه إذا كان في احتياج لمزيد من المال، فإنه ليس مضطرا لطلب المساعدة والمال من شخص آخر ميسور الحال، كما يحدث في مجتمعات الجنوب النامية، أنه يمكنه بضغط بسيطة علي الموقع الإلكتروني للبنك الذي يتبعه أو التطبيق الذي يستخدمه، أن يحصل علي دفعات ماله، من خطه الائتماني، أو من بطاقته الائتمانية. بمعني آخر، الموطن في الغرب، لن يكون مديونا لأشخاص آخرين كما هو الحال في الجنوب، ولكنه سيكون مديونا للنظام "السيستم"، ولذا يستغرب البعض أن هناك كثيرين يعانون من المديونية في عدد من المجتمعات الغربية.
إن النظرة العادلة تقتضي أن تتفهم ظروف كل مجتمع وتعيش فيه لتعي ما يحيط به، بدلا من النظرة السطحية التي لدى البعض، كمن يتخيلون عمن يعمل في دول الخليج أنه يملئ براميل من النفط لحسابه الشخصي أو من يعيش في الغرب بأن الأشجار المحيطة بمنزله تمنحه كل يوم المزيد من الدولارات واليوروهات، دون أن يتعب أو أن يتكبد أي جهد.
إن هذه النظرة السطحية، من السهل تفهمها بسبب مستويات الفقر والعوز التي هي أعمق في مجتمعات الجنوب أكثر من مجتمعات الشمال.
لكن الحقيقة الماثلة في مختلف المجتمعات هي أن هناك من التضخم يعاني منها الملايين في الجنوب النامي والشمال المتقدم بغض النظر علي الفارق الضخم في الدخول والمرتبات. وعلى بعض مواطني الجنوب أن يتفهموا أنه لا يجب حساب الدولار أو اليورو من وجهة نظرهم وفق فارق سعر العملة، حسب عملات محلية في دول من الجنوب، لأنه ببساطة إذ كان المواطن في الغرب، الذي يقبض بالدولار أو اليورو، لأن سعر المنتجات والخدمات في الغرب مرتفعة، فعلي سبيل المثال سعر السندويتش في المتوسط ما بين 10 – 15 دولارا، ولا يجب حساب كم يساوي هذا بالعملة المحلية لدولة في الجنوب. كما أن سعر لتر البزين الذي يقترب أحيانا من هامش دولارا و80 سنتا، لا يجب أن يؤخذ كذلك بمعني كم يعادل بعملة محلية لدولة في الجنوب.
ما أود أن أؤكد عليه أن التضخم وارتفاع الأسعار، أزمة وظاهرة عالمية في الجنوب والشمال، يعاني منها المواطن في الدول النامية، وكذلك في الدول الغنية، مع اختلاف آليات وسبل التعامل مع التضخم، إلا أنه في النهاية كل من المواطن في الجنوب النامي والغرب المتقدم يعاني من ارتفاع الأسعار بصورة جنونية، وقدرته الشرائية قد وهنت بصورة كبيرة مقارنة بأربع أو ثلاث سنوات مضت، منذ أن اجتاحت كوفيد العالم، وهزت بعنف كل من الاقتصاد والمجتمع العالمي.
منذ شهور قليلة يتحدث صانعو السياسات النقدية والمالية، أن هناك تحسن نسبي في الأداء الاقتصادي، وهو ما يحفزهم على تقليل معدلات الفائدة، ومن ثم تنخفض معها تدريجيا الأسعار، ويتوقع أن تمتد عملية تخفيض أسعار الفائدة مع بداية عام 2025، وهو ما يتمناه الجميع وينتظرونه حتى تعود الأحوال إلى ما كانت عليه قبل عام 2020