تحيا جمهورية مصر ”الأوليمبية”!!
لم أستطع أن أخفي سعادتي التي اختلطت بدموع الفرح، أثناء مشاهدتي للحظات استقبال بعثة مصر الأوليمبية بمطار القاهرة، فقد كان المشهد أشبه بمظاهرة حب وتقدير للأبطال.. أبطال الذهب، والفضة، والبرونز، وقد ظهر بينهم عريس الفرح الأصلي السيد وزير الشباب والرياضة، الذي أستحق عن جدارة الظهور في الكادر، ملاصقا للأبطال الثلاثة، موجهاً ابتسامات النصر ونظرات الثقة والفخر إلى ميكروفونات المراسلين وعدسات المصورين، مهديا هذا الإنجاز العظيم للسيد الرئيس، راعي الرياضة والرياضيين.
كم كنت أتمنى، لو استمر ذلك العرس الرياضي بباريس ليوم أو يومين آخرين، فقد استفاق الفرعون واستيقظ المارد كعادته في اللحظات الأخيرة.. مؤكدا أن الترتيب النهائي لجدول حصد الميداليات، كانت ستحدث به ثورة، وستدرك تلك الدول التي تظن أنها عظمى، أن لها منافس شرس جاء من بعيد، محملا بعبق الماضي المجيد والحاضر السعيد ليسقطها من علياءها ويكسر غرور لاعبيها ومنظومتها الرياضية ... كنا على الأقل قادرون على أن نزيح اليابان أو فرنسا، ونزاحم الكبار في المربع الذهبي خلف الولايات المتحدة والصين..
ولكن قدر الله وما شاء فعل.. لنا موعد بعد أربع سنوات.. سوف ندرس الأمر، ويتدارك الأخطاء المسئولون من السادة اللواءات في منظومة الرياضة وعلى رأس اتحادات أغلب الألعاب الرياضية، ونضيف لواءات آخرون، كرؤساء للاتحادات التي يرأسها مدنيين، حيث الضبط والربط، الحسم والإنجاز، العلم والتخطيط.. لن نترك الأمر للصدفة والاستثناء والطفرات، سنصرف الأموال أضعافاً.. ونبني بدل المدينة الرياضية مدن.. إن كنا صرفنا من خزينة الدولة - أموال "الشعب" هذه المرة مليار و 250 مليون وقد تحقق هذا الإنجاز الكبير بثلاثة ميداليات بحالهم .. فما بالك إن رصدنا للأولمبياد القادم 200 مليار!! مؤكد سيصل عدد الميداليات لرقم قياسي، يتخطى الخمس ميداليات، فلتذهب الأموال إلى الجحيم، أمام تلك اللحظة التي يرتفع فيها علم مصر في المحافل الدولية، حتى لو بدون نشيد، فالنشيد يعزف فقط لأصحاب الذهب.
سوف نستفد من الأخطاء، ولن نرسل إلى الأولمبياد 164 لاعب في 22 رياضة.. نحن شعب عريق وعدده كبير، والعدد عزوة .. لماذا لا نرسل 4000 رياضي، ورياضية، يرافقهم ثلاثة طائرات تمتلئ بالفنانين والإعلاميين والشيوخ والدعاة والقساوسة ومطربي المهرجانات؟؟
لماذا لا نشارك سوى في 22 لعبة؟ تلك إهانة لأرض الكنانة... سوف نرسل بعثتنا لتشمل كل الألعاب، بما فيها الألعاب غير الأوليمبية.. سوف نفرض شروطنا وثقافاتنا على العالم، ونضغط لاعتماد ألعابنا المحلية، كألعاب معترف بها أوليمبياً .. مثل لعبة التحطيب والسبع طوبات والسيجة.. لعبة كيكا ع العالي واستغماية، لعبة التلت ورقات، بالإضافة للعبة الرسمية الأولى التي تميزنا عن باقي دول العالم.. وهي اللعب بالبيضة والحجر..
لا اقصد باقتراحي أن يتعامل المسئولون ببذخ وإسراف في كل الأمور.. هناك بند من الممكن أن نقتصد فيه ونوفر على الدولة تكلفته، وهو بند الزي الرسمي للبعثات.. فبدلا من التعاقد مع شركات عالمية، ما المانع أن يترك وزير الشباب والرياضة منصبه وهو في ذروة مجده وعطاؤه، ويخرج من الباب الكبير مصحوبا بالمدح والهتاف، وتعطه الدولة قطعة أرض في العاصمة الإدارية، يقيم عليها مصنعاً لملابس البعثات الرياضية وقت الاستعداد للبطولات، وخط إنتاج للملابس الداخلية في الاجازات والأوقات التي يتوقف بها النشاط الرياضى..
عزيزي محمد السيد، صاحب برونزية سلاح الشيش.. ألف مبروك.. عزيزتي سارة سمير صاحبة فضية رفع الأثقال.. عزيزي احمد الجندي صاحب ذهبية الخماسي الحديث.. لا تستحقان الشكر.. تستحقان الحب، الانبهار، الإعجاب.
ابدا لم تكن صدفة أن كلاكما من يحمل علم مصر في حفل الافتتاح.. لقد كانت صورتكما بالعلم رسالة ربانية، لن يفهمها الفاسدون والأنطاع، الذين يتسابقون الآن للتمسح فيكما، والقفز على إنجازاكما الشخصي البحت .. لقد كانت صورة لملح الأرض، من ينحتون في الصخر وحدهم، من يحلمون ويعانون ويُظلمون، ويتجاهلهم الكل ويهملهم ولا يعير لآمالهم وأحلامهم اهتمام ..
لم تكن صدفة ابدا ، أن من يستر اسم بلاده ..صاحبة الفضية، الشابة التي حققت برونزية ريو دي جانيرو 2016 ، ثم عادت لتجد نفسها راسبة في امتحان الثانوية العامة.. وصاحب الذهبية، الشاب الذي تم إجباره على ركن سيارته بعيدا، ثم العودة إلى التمرين سائراً على الأقدام، لأن المكان كان محجوزا لسيارة أحد المسئولين..
لقد كانت رسالة إلهية، أن هذا الوطن، وطن الغلابة والطيبين المهمشين.. يقسو عليهم ويقهرهم، ويدهسون تحت أرجل المتملقين، لكن في نهاية الأمر، المصري الحقيقي النقي، هو من نهض أخيرا وحفظ ماء وجه بلده، وأعطى للمشهد البائس شيئاً ... ولو قليلا من الاحترام