معنى حُريَّة المرأة
الجهلُ بالشيء توءمُ مُعاداته ومن ثَمّ مُحاربته، وفي المُجتمعات التي تتكاسل عن السعي نحو المعرفة الفرديَّة الدافِعة لتحريض الفكر والارتقاء بمستويات الوعي تستمرُّ مُحاربة بعض المفاهيم جهلاً بما تُقدمهُ من منفعةٍ أو بما تدفعه من خطرٍ عام، ومن أبرز المفاهيم التي تتم مُحاربتها من باب الجهل أو العِند مفهوم "حُريَّة المرأة".
نحنُ في عصرٍ لم يعُد فيه اللف والدوران حول المعاني والألفاظ مُجديًا؛ فسُرعة انتشار الأفكار التافهة عبر الشبكة العنكبوتية الإلكترونيَّة "الإنترنت" خلالٍ ثوانٍ معدودة يجعل تبسيط الأفكار القيّمة الكبيرة لتيسير استيعابها مسألةً ضروريَّة، ولأن الجُهلاء والخُبثاء يُشيعونَ أنَّ "حُريَّة المرأة" مُرادفٌ لـ "انفلات المرأة" لا بُد من الرد بأنه إن كانت حُرية المرأة مُرادفٌ لانفلاتها فلا بد وأن تكون حُرية الرجُل مرادف لكونه أشد فسقًا وانفلاتًا، وأن كل الرجال الأحرار في هذا المجتمع يستغلون حُريتهم في الفُحش والفجور وارتكاب مُختلف الرذائل والموبِقات! إذن من باب أولى سلب الرجُل حريته لحماية المجتمع من تلكَ المخاطِر، لكننا لا نُريد ارتكاب خطأ الفئة الجاهلة من المُجتمع بهذا المستوى من التطرُّف النابع عن قذارةٍ عقليَّة والمُساق من وحي الغريزة، وسنرى في الإنسان انسانًا يظل أرقى من مستوى مُعظم الكائنات الحيَّة لقُدرته على التفكير سواءً كان هذا الإنسانُ ذكرًا أم أُنثى.
حين نتحدَّث عن حُرية المرأة فإننا نعني حق المرأة في الاختيار واتخاذ القرار في جميع شؤون حياتها مادامت ترغبُ بذلك، حقها في اختيار التعليم أو عدمه كما للرجُل حق، حقها في اختيار العمل أو عدمه كما للرجُل حق، حقها في اختيار الذهاب إلى مستشفى للعلاج أو عدمه كما للرجُل حق، حقها في كتابة مقالٍ تُعبر فيه عن رأيها الصريح تجاه قضيَّة من القضايا كما للرجُل حق، حقها في أن تقبل أو ترفُض كما يحق لرجُلٍ أو يقبل أو يرفض، حقها في أن تقول كلمة "لا"، حقها في أن تكون في واقعٍ يُمكنها من البقاء على قيد الحياة وإن لم يرتبط بحياتها رجُل لأن النساء اللواتي يفقدن آباءهن وأزواجهن واشقاءهن وابناءهن كثيرات، وإن أوصدنا أبواب حُرية الحياة واتخاذ القرارات في وجوههن فإننا نشفط عنهن أكسجين الفضيلة مادام السقوط أمام حذاء أي رجُلٍ يوفر لهن سبيل العيش عن طريق الرذيلة حو المُتاح الوحيد!
بعض الرجال يتخبَّطون في ظُلمة جهلٍ يوحي لهم أن المرأة إن نالت حُريتها التي تعني حقوقها الكاملة في الاختيار وحُرية اتخاذ القرار فإنها ستستغني استغناء كاملاً عن وجود الرجل في حياتها، ومن ثم تسقط قيمته في المُجتمع ولا يبقى لأهميته وجودًا، وهذا ليسَ إلا وهمٌ ساذجٌ من شخصيَّاتٍ غير ناضجة بما فيه الكِفاية، إذ مادام الرجُل رغم امتلاكه حُريته في المجتمع لم يستغنِ عن وجود امرأة في حياته؛ فكيف تستغني هي عن وجوده في حياتها؟! بينما هناك من يرتعشونَ في أعماقهم خوفًا من أن تؤدي حُرية المرأة لسلبهم قدرتهم على تقييدها، واستغلالها، واستعبادها، وتحويلها إلى مُجرَّد خادمة تؤمر فتُطيع دونَ جدَل، لكنهم لا يعترفون أن هذا ما يُخيفهم حقًا لئلا يُفتضح أمرهم بانكشاف خُبث نواياهم.