إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟
يبدو وأنها صفقة الانتخابات الأمريكية الأخيرة، حيث لم يكن يخطر على بال أحد أن تتساقط دول ومجموعات قوية في الشرق الأوسط بهذه السرعة الغريبة. وهذا الأمر يطرح التساؤل حول توافقات بين بعض الدول وكذلك أجهزة المخابرات، بما يفكرنا بثورات الخراب العربي، واعتمدت بالأساس على الأساس على الإسلاميين المتحالفين مع أمريكا، وتحديدا إدارة الحروب، أقصد إدارة الديمقراطيين.
ممن كان يصدق بعد كل الافتخار والتباهي بيوم 7 أكتوبر، حيث ضربت حماس إسرائيل، بصورة جعلت كل المدافعين عن أيديولوجيات معينة، يسارعون بالافتخار والتباهي، بأنهم ضربوا إسرائيل في عقر دارها. وبعد أثبت إسرائيل أنها دولة بالمعني الحديث للدولة، من حيث التخطيط، وتوظيف مختلف أجهزة الدولة وخاصة الأمنية والمخابراتية منها، وكذلك شبكة علاقاتها التي لا تنضب مع الغرب عامة، والإدارات الأمريكية خاصة.
بعدها تغيرت كلية خريطة الشرق الأوسط في منظر، يثير الريبة والقلق، ولا يعرف مستقبله إلا القليلين. قامت إسرائيل بالتخلص من قيادات حماس التي طالما لم يعرف أحد مكانهم إسماعيل هنية وخالد مشعل، ومن جاء بعدها ليقود الحركة التي أصبحت لا وجود لها، وأصبح يوم 7 أكتوبر الذي كانت تتباهي بها، معول هدمها وخرابها.
لم يختلف الحال كثير بالنسبة للرجل القوي في لبنان، وأقصد هنا حزب الله، الذراع الإيراني الشيعي في لبنان، حيث تخلصت كذلك إسرائيل من أحد الزعماء التاريخيين في لبنان والمنطقة، بالمعني العسكري والمقاومة لدي البعض، وهو حسن نصر الله، الذي كان أشبه بالرجل الخفي، لا يعرف أحد مكانه. ولكن قدره كان مثل هنية ومشعل، تم التخلص منه بسهولة لم يكن أحد ليتوقعها، كما لو كان بمثابة التخلص من أشخاص عاديون.
الغريب في الأمر، أن إسرائيل تخلصت من بعض هذه الزعامات الدينية والسياسية في قلب إيران، هذا العدو للغرب أيديولوجيا واقتصاديا وعسكريا، وإيران كانت كلية عاجزة عن الرد، لماذا؟
توقع الجميع أن إسرائيل ستكتفي بهذا، ولكن كما يبدو أن الترتيبات في الغرف المغلقة بين إسرائيل وحلفائها كانت تمتد لتصل إلى مخدع بشار الأسد، خاصة وأن إسرائيل تخلصت من كل حلفاء إيران في حماس وحزب الله والحوثيين في اليمن. ومن ثم لم يتبق إلا بشار الأسد في دمشق.
وكما صنعت إسرائيل حركة حماس لتقف ضد حركة فتح في البداية، نجحت الجماعات الإسلامية التي فشلت على مدار سنوات في هزيمة بشار الأسد. نجحت هذه الحركات الإسلامية في السيطرة على المدن السورية واحدة وراء الأخرى، وسط استراتيجية جديدة تتعلق بعد تسليط الضوء إعلاميا، حتى لا تحدث أي ثورات أو مظاهرات في الدول العربية لمناصرة نظام بشار الأسد الذي يختلف حوله العرب. وفجأة وبدون سابق مقدمات، لا يعلق عن سقوط دمشق فقط، ولكن يعلن عن هروب بشار الأسد وعائلته إلى روسيا كما لو كان رجل أعمال سارق لقروض وتمويلات، دون أي ضجة إعلامية.
وكما يبدو أن إسرائيل والغرب اتفقا على أهمية التكتيم الإعلامي في تنفذ أهدافهم للتخلص من أي ضغوط شعبوية، في منطقة يغلب على تكوينها الديموغرافي الطابع الشباب، مما يجعله أكثر عرضة للمظاهرات والاحتجاجات، خاصة فيما يتعلق بالقضايا العروبية والإسلامية.
لكن الغريب في الأمر، أن أعضاء قوات الجماعات الإسلامية سيطرت على سيطرة بدعم من إسرائيل، ولا أحد يتجاهل الدور التركي الداعم لإسرائيل والمناهض للدول العربية، رغم تصدرها المشهد باعتبار وريثة الخلاقة الإسلامية في المنطقة. وهذا يفسر لما كل هذا الجماعات توجه ضد الأمن القومي للدول العربية، ولا تجرؤا علي إسرائيل. وهذه ليست دعوة للعنف، لأننا مع الاستقرار والتنمية لكل دول العالم. لكن هذا يكشف عما يمكن أن يتم الترتيب له في الغرف المغلقة.
دولتان يجب دائما الانتباه إلى مطامحهما ومطامعهما في المنطقة إسرائيل وتركيا. ففي الوقت الذي تقطع وتشكل في إسرائيل منطقة الشرق الأوسط، كما لو كانت تمسك بسكين وتشكل قطعة من التورتة، تركيا لا تتوقف عن اللعب في منطقة القرن الأفريقي حيث ممرات المياه التجارية الاستراتيجية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والمحيط الهندي ومصبات المياه العذبة للأنهار في أفريقيا. ووضح هذا مؤخرا في وساطتها بين إريتريا وأثيوبيا.
تطورات كثيرة تحدث في المنطقة، ولم نسمع عن أي دور مصري أو خليجي، سعودي أو إماراتي، باعتبارها الدول الثلاثة الفاعلة حاليا في النظام الإقليمي العربي والشرق أوسطي. وإن كان تأثيرها على الترتيب السعودية فالإمارات، ثم مصر، التي تنشغل كثيرها بتداعيات ثورات تدمير المجتمع المصري في بداية القرن الحالي، حيث خرجت منهما مصر، أكثر وهنا وضعفا على المستوي الاقتصادي والمجتمعي ومن ثم السياسي، ومن يقوم بغير ذلك فهو لا يريد أن يضع أصابعه على التحديات الحقيقية، التي تواجه أم الدنيا مصر المحروسة بإذن الله.
تغييرات كبيرة ضربت منطقة الشرق الأوسط خلال شهور بسيطة، ولا أحد يعلم متي تم الاتفاق عليها؟ وبين من ... من القوي والدول؟ وهل ستتقف التطورات الراديكالية في المنطقة عند هذا الحد؟ أم ستطول دول أخري؟ وما هي سيناريوهات بعض الدول مثل مصر والسعودية والإمارات لصد مثل هذه التغييرات الراديكالية حتى لا تمتد إليها؟ وهل هذه الدول الثلاثة كانت علي علم بما يرتب للمنطقة بين إسرائيل وحلفاءها في الغرب؟ أكثر كثيرة تبحث عن إجابات؟ وكما هو حال السياسة، التي تطبخ في الغرف المغلقة؟ يتم الإفراج عن المعلومات والوثائق على مدار السنوات القادمة.