2025: Reclaiming the Canada We Once Knew أول اتصال رسمي بين القاهرة والإدارة الجديدة في دمشق حضر هشام طلعت وعز.. وغاب ساويرس.. ما الذي جاء في لقاء مدبولي برجال الأعمال؟ مصر.. خلاف بين نقابة الأطباء والحكومة المصرية بسبب ”المسؤولية الطبية” بينهم مصري هارب.. تعيينات لمقاتلين عرب وأجانب في الجيش السوري الجديد قانون الإجراءات الجنائية.. البرلمان المصري يوافق على حالات تفتيش المنازل دون إذن هل السرطان عقاب إلهي؟ من يحدد مستقبل سورية: إعادة الإعمار واللاجئين والديمقراطية؟ ثقيلة هي ثياب الحملان! حلقة 2 هواجس بالية!! قصة التقويم الميلادي البراح العقلية الدينية المصرية المتحجرة‎

”هذا حلم ولا بجد” ؟ .. يوميات طبيب في المحرقة!!

"عمو الطبيب بدي أسألك شغلة.. هذا حلم ولا بجد ؟" .. سألتني الطفلة أثناء معالجتي لها داخل المستشفى، حيث يدوي في الخارج أصوات القذائف..

ابتسمت وأنا أتصنع التماسك والثبات أمامها، حتى انتهي من عملي ومن ثم أبتعد بقدر كافي مطلقاً لدموعي العنان .. وقفت أمامها أحيك بإبرتي وخيوطي، عدد غير قليل من الجروح القطعية دون مواد للتخدير ..

استجمعت قواها وسط تأوهاتها، وسألت السؤال مرة ثانية وثالثة حين رأتني أنا والممرضة وقد عجزنا عن الجواب.. لكن ما استوقفني أكثر كان سؤال الممرضة، التي تحاول بيأس أن تشغل الطفلة عن آلامها ولو لثوان..

_ أد إيش عمرك؟

قالت لها : عمري ثلاث وثلاثون !

نظرت إلى الممرضة الفلسطينية في تعجب، وهززت رأسي متسائلا دون أن أتحدث.. فابتسمت لي ابتسامة خفيفة مختلطة بالأسى ثم قالت لي : هذا عمر أهل الجنة وفق معتقداتنا

ثم قالت للفتاة وهي تمسح بعض من العرق فوق جبهتها: أليس كذلك يا فرحة؟

ردت الفتاة بهز رأسها بالموافقة، وعلى شفتيها شبح ابتسامة، تتناقض مع ما تشعر به من وجع..

بادلت الطفلة الابتسام، ثم ألتفت إلى الممرضة وسألتها: اسمها فرحة؟ ..كيف علمتِ ؟ أم إنكِ تعرفينها؟

رفعت الممرضة أحد أكمام فستان الطفلة، فوجدت أن أحداً قد كتب اسمها كاملا على ذراعها

ثم أردفت بصوت منخفض حتى لا تسمع الطفلة حديثها: اعتاد الناس هنا على كتابة أسماء أطفالهم على ذراعهم أو بطونهم، حتى يتسنى لفرق الإنقاذ أو الأهالي التعرف عليهم إن طالتهم قذيفة صاروخية يصعب معها التأكد من هوياتهم

ارتسمت علامات الضيق على وجهي للحظة، ثم نظرت إلى الطفلة وابتسمت رغماً عني، كي أحاول تشتيت انتباهها قدر الإمكان عما تفعله ابرتي بجسدها الصغير، ثم قلت لها: أتعرفين إنك جميلة جدا يا فرحة ؟ .. أجمل من ابنتي التي تركتها في ألمانيا لكي آتِ إليكِ

تأوهت فرحة للحظة وأنا أخيط إحدى الغرز، ثم قالت بصوت رقيق: ولماذا لم تحضرها معك لكي نلعب سويا بعد انتهاء الحرب؟

أطلقت ضحكة عالية ثم أجبتها: لا لا .. إنها تكبرك سنا، بل هي متزوجة الآن ولديها طفل في نفس عمرك

ردت بتلقائية: عمره ثلاث وثلاثين أيضا؟

سألتها: من قال لك هذا يا فرحة؟ أنت الآن في الثامنة أو التاسعة من العمر على أقصى تقدير

ردت بسرعة واستنكار: لا يا عمو .. هذا عمر الأطفال من أهل الدنيا .. أبي وجدتي قالا لي إنني لست من أهل هذا العالم، وعمري ثلاثة وثلاثين لأن موطني الأصلي هناك في السماء حيث سبقتني أمي..عمري ثلاث وثلاثون صدقني .. فإنهم أخبروني أنه عمر القوة والحيوية الشباب.. قالوا لي إن الجنة، لا يوجد بها مرض ولا حزن ولا جراح .. لا شظايا ولا قصف ولا موت.. سأرى كل أحبتي هناك ..

ثم نظرت إلى الممرضة وقالت لها: من فضلك أخبري عمو ألا يقول لي هذا الكلام مرة أخرى.. لست في الثامنة كما يقول.. أريد الذهاب إلى أمي سريعاً فأنا افتقدها كثيراً

قلت لها وأنا في ذهول مما أسمع: ستذهبين يا فرحة صدقيني.. وإن لم يذهب أمثالك إلى الجنة فمن يذهب! ولكن لازال العمر أمامك.. ستنتهي الحرب، وتندمل جراحك، وتخرجين من هنا تمرحين وتلعبين مع صديقاتك.. تذهبين إلى المدرسة حيث حصص الموسيقى والرسم والتلوين و...

قاطعتني فرحة وسط بعض التأوهات التي صاحبت انتهائي من غلق أحد الجروح: الوحيدة التي تبقت من صديقاتي، تركتني وذهبت عند ربنا من أسبوع.. والمدرسة لم يعد لها وجود، فقد قصفها الصهاينة وأحالوها إلى كوم من التراب..

سكتت لثوان، ثم أردفت في مرح طفولي: عمو.. هل تعلم أنني أجيد العزف على آلة الكمان؟ علمني أبي الموسيقى وصرت عازفة ماهرة..

ابتسمت لها قائلا: براڤو .. ستخرجين من هنا وتعودي مرة أخرى للعزف

ردت عليه بحزن: للأسف توقفت عن العزف من فترة، فذات يوم هاجمت قوة إسرائيلية قريتنا للبحث عن أحد أفراد المقاومة، وحين دخلوا بيتنا وبدأوا في بعثرة محتويات المنزل، أمسك جندي بالكمان خاصتي، ثم ألقى به إلى الحائط وهو يضحك، فشطره نصفين، ثم جعل يدهسه بقدميه فأتلفه تماما ..

ثم نظرت إلى متسائلة: عمو!! لماذا كسر الكمان؟ ولم كان يضحك؟

أجبتها مشفقا: لا عليكي يا صغيرتي.. بعد أن تخرجين من هنا، سوف أحضر لك كمان أجمل من كمانك التالف.. اتفقنا؟

أجابته بفرح: اتفقنا

انتهيت من إسعافاتي لفرحة، ثم هممت بالخروج وأنا أودعها، حتى سمعنا دوي انفجار ضخم.. كان قريباً جدا من المستشفى، بل قد يكون استهدف المستشفى نفسها .. انفجار هز جنبات الغرفة، حتى أنه أسقط بعض المعدات الطبية فوق رأس الصغيرة وقدمها المكسورة، فأطلقت صرخة ألم، ثم نظرت إلى هاتفة من جديد: عمو، عمو.. هذا حلم ولا بجد؟

ربت على كتفها برقة، وداعبت بعض من خصلات شعرها وأنا أجيبها حزينا: ليس حلما يا عزيزتي، بل كابوس..كابوس سوف يمر ، وتعودين من بعده افضل مما كنت.