كندا ترحب بالبطل ”رامبو”!!

لا أعلم ما الذي يمكن أن يواجه كلب بلدي، استقل طائرة متجهة إلى كندا، رفقة امرأة تحمل الجنسيتين، المصرية والكندية؟
هل يستطع "رامبو" أن ينسجم سريعاً مع الوضع الجديد؟ وأن يمن عليه الرب بنعمة النسيان؟ .. نسيان "حسن"، مربيه وصديقه الوحيد .. أو نسيان ما عاناه من قسوة وجبروت في المدينة الملعونة، القاحلة المظلمة الظالمة، التي لا أمان فيها للبشر، فما بالك بــ"حيوان"، لم ولن يعرف إلى الأبد، لم اتفق الجميع على قتله، مرددون بدهشة في صوت واحد لصاحبه الذي فعل المستحيل لإنقاذه من جحيمهم: "هو من باقية أهلك؟ ده حياله كلب!!"..
بل إنني لا أعلم.. هل سيتعرض لأي شكل من أشكال العنصرية من باقي الكلاب التي تسكن تلك البلاد البعيدة؟ أم إن القدر سيكون رحيما به، وتنجح هذه الأسرة في إقناع باقي الكلاب بأن تستوعبه وترفق به، وأن يزاول رامبو شخصيا مهاراته الحياتية في التأقلم التي اكتسبها من الشارع، ليحظى بالمحبة والإعجاب..
ومن يدري!! قد يبهر إحدى الإناث من فصيلة "لابرادور ريتريفر" بشهامته وخفة ظله وحنانه، ويتمكن من إيقاعها في شباك غرامه ويرتبط بها ويحصل على الجنسية..
كم حمدت الله أن قاعة السينما أثناء عرض فيلم "رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" كانت تقريبا خاوية.. قد يكون البرد، أو أن جمهور المشاهدين قد بدأ ينسحب تدريجيا من قاعة العرض، بعدما أصابتهم خيبة الأمل في فيلم توقعوه مرح، بطله "عصام عمر" الفنان الكوميدي رفقة كلب، سترتج القاعة بالضحكات من مواقفهما معا ومع باقي الأبطال..
فبقيت والحمد لله، تقريبا وحدي، مستريحا لفكرة ألا يرى أحدهم دموعي في أغلب أحداث الفيلم، أو يسمعني أحدهم قبيل النهاية وأنا أهمس لرامبو في لهجة لا تخلو من الحسد: كندا يا ابن المحظوظة!!
ثم ما لبثت أن عدت لصوابي قائلا: لا بأس، فلكل شيء ثمن.. فعلى الأقل بقيت أنا في القاهرة محتفظا بكلتا عيناي، أما رامبو، فقد استطاع حسن مساعدته أخيرا على الهرب، لكنه ذهب فاقداً لإحدى عينيه، بعد أن أصيبت بطلقات نارية استهدفت حياته، انتقاماً من أحدهم، بعد أن حصل سابقا على حكم نهائي وبات من إحدى الجلسات العرفية، يتيح له قتل رامبو ..
جزاء اعتبرته هيئة المحكمة الموقرة عادلا، ضد كلب قرر الدفاع عن صاحبه في معركة غير متكافئة ضد بلطجي، قرر طرد حسن وأمه من كهف حقير رطب، مقبض وكئيب وخانق، بغرفه المظلمة وجدرانه المشققة وأثاثه الرديء..
كهف يسمى زورا مسكن، استكثره عليهما ضبع أن يبقى مأوى متواضع لشاب وأم... وكلب يهيم بهما عشقا، لا لشيء سوى أنه رأى بأعينهما الحب، اللعب والمرح، والقليل من الطعام حتى لو كان حسن ليس بطباخ ماهر، إلا أن طبق صغير من البيض، يساوي عند رامبو وجبة فندقية طالما أعد بيد حانية..
يعمل حسن في وظيفة رجل أمن.. ويا له من اسم لمهنة شاب، يفتقد الحد الأدنى من الأمان، حتى أن اليونيفورم وكأنه أحس بعبثية المسمى الوظيفي لصاحبه، فبدت كلمة "Security " على ظهر القميص باهتة، منزوع منها بعض الحروف..
غاب الأمان عن حسن أكثر بغياب الأب الغامض، الذي لا يعرف احد له مصير .. هل خطفه الموت؟ أم ابتلعته القاهرة التي أصبحت اسم على مسمى، ولكنها عوضا عن قهر أعدائها كما أخبرتنا المناهج وكتب التاريخ، باتت تقهر أبنائها..
غاب الأمان، واستقرت في وجدان حسن مرارة الشعور بالفقد، حتى وإن حاول تعويضها بصوت الأب الذي ترك لهما مشكورا ذكرى باهتة.. شرائط كاسيت وقليل من لحظات الدفء والحنان، وأغنية تركها الأب كمرثية حزينة، يبدو أنها كانت تحكي حكاية لشخص محبط عاجز، ثم ورثها ابن يشبهه في العجز والحيرة..
"كل شئ بينسرق مني.. العمر من الأيام.. والضي من النني
كل شوية حواليا يندهلي.. جوايا بندهلك.. يا ترى بتسمعني؟
خرجت من دار العرض وأنا أردد بشجن ويأس خلف منير: شجر اللمون، دبلان على أرضه.. ولكن شيئاً ما يخبرني أن اتحلى ببعض الأمل.. فشجرة الليمون تحديدا، ودونا عن باقي الشجر، قد تذبل وتجف لسنوات طويلة إن أُهمِلت وتُرِكت دون اهتمام.. لكن إن امتدت إليها يد عطوفة بجرعة بسيطة من الماء، فإنها تنهض من جديد شامخة مزهرة..
أما عن "رامبو" .. فنداء إلى الجالية المصرية في كندا .. من يرى منكم هذا المقال.. أمانة عليكم .. اعتنوا بـــ"رامبو" واهتموا بأمره.. فــ"رامبو" وإن كان كلب أعور، فستجدون فيه إنسانية افتقدها كثير من البشر