دردشة…بالعربي الفصيح:
ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (4)

ملخص ما سبق: قام الباشمهندس، المقاول صاحب العمل، باستدعاء مراقبين عماله من المشاريع المختلفة في مكتبه ليختار واحد منهم ليحل محله خلال أسبوع سفره لأحد مصانع الخارج؛ وبالرغم ان المراقب ابو صلاح تم تعيينه عن طريق الواسطة وهو أصغرهم سناً، إلا أنه قد تم اختياره ليكون مشرفاً على زملائه ووافق أن يستلم هذا المنصب المؤقت. ومع أن أبو صالح قد درب إداريا على يد الباشمهندس شخصياً، إلا أن الشكوك لا تزال تداهمه، لكنه استلم المنصب أخيراً وبدأ يباشر دوره.
حلقة ٤
حرب مع النسيم!
نظرت في وجوههم عندما وقفوا أمامي بمكتبي المتواضع؛ فانا ما زلت أشرف على موقعي بالإضافة الى المهام الإدارية المسندة اليّ! لم أشعر بأية ضغينة على الإطلاق، الأمر الذي زاد من قلقي! يبدو أن المراقبون بارعون في تقمص الوداعة، لكني أعرف ما يدور في نفوسهم. أسبوع واحد فقط يا ابو صلاح وسيعود كل منا إلى حال سبيله، تحلى بالصبر.
قلت لهم:
- الشغل هيستمر زي ما تعودنا بدون أي تغيير؛ وإذا احتجتم مني أي تدخل او مساعدة…أنا في الخدمة وتحت امركم!
قوبل الكلام بكمية مهذبة من الشكر النقي، او هكذا صوِّر اليَّ. فأكملت:
- و أنا كمان لو احتجت منكم حاجة مش هنكسف اني اسألكم؛ انتم كلكم أساتذتي وعلى راسي من فوق!
رد عم نزيه وهو أكبر المراقبين سناً وخبرة:
- يا خبر ابو صلاح…دا انت غالي وابن غالي، الف رحمة ونور تنزل عليه! و احنا رقبتنا سدادة!
لا أدري لماذا بعث في ارتياح وقتي، فصرفت المراقبين إلى مواقعهم كي أعود لمزاولة التزامات الأسبوع الأخرى.
***
أتعجب لمعاملتهم اللطيفة لي! أهو تملق أم واجب؟ أياً كان، هو بالتأكيد ليس نابعاً عن محبة، فهم بالكاد يعرفونني! عجيب، لما إذاً أتوقع منهم الكراهية؟ لأن الكراهية لا تحتاج إلى معرفة يا مغفل؛ المحبة علاقة، أما الكراهية فشعور من عدم أو من كلمة، من نبرة، من مظهر، من منصب لا يروق لهم! الحب يتطلب تريثا، أما الكره فلا يمانع أن يكون وليد الاندفاع! ومع هذا لم استشعر اية كراهية و كل ما علي هو اتباع التعليمات! فما يوم العمل إلا مجموعة ثابتة من الخطوات، إذا ما أتبعت بعناية، لا خوف من الخطأ! الشيء الوحيد الذي تعلمته جيداً من والدي، هو حفظ خطوات العمل! و لهذا لا اكترث كثيرا بالكود الكهربائي الدولي الذي أمرنا الباشمهندس باتباعه؛ فالكود معقد و تفاصيله دقيقة و تنفيذه مكلف؛ بينما سر الصنعة "البلدي" التي توارثناه أباً عن جدٍ سهل و بسيط!
أن مجموعة العمال التي أراقبها تتبع الكود جيداً لأنهم كانوا تلاميذ بدوي المراقب قبل أن يكونوا تحت اشرافي! بدوي شخصية ملتزمة ومحبوبة، رغم شدته وتزمته؛ يشتهر بفهمه التام للحرفة وللكود الكهربائي ايضاً؛ لذلك هو يختلف عنى كثيراً! ولذا أي عامل جديد في شركتنا يجب، بأمر من الباشمهندس، ان يبدأ خبرته من مجموعة بدوي، ما عدا أنا لأن والدي طلب من الباشمهندس أن أعمل تحت إشرافه هو! وربما لهذا السبب أراد الباشمهندس آنذاك أن أقوم بمراقبة مجموعة بدوي ليضمن مجموعة قوية تحت إشراف مراقب مبتدئ مثلي! وبصراحة، ما شئت أن أغير من أسلوبهم، مادام العمل سيسير كما ينبغي، واقتصرت تدخلي فقط عند الحاجة الملحة! في الحقيقة، هذا الأمر لا يزال يزعجني جداً، لكن ما باليد حيلة!
***
ما كنت أتوقع أن تكون ادارة الشركات بهذه البساطة. كان يومي يبدأ صباحاً إما بجولة استطلاعية اقوم بها بنفسي حول المواقع، أو باتصالات هاتفية مباشرة مع المراقبين، لكن قلَّما اضطررت أن أبذل مجهوداً مضنياً، وهذه ميزة!
مرت الأيام في غاية من السهولة…والسرعة؛ فباقي يومان على عودة الباشمهندس. هانت جداً! قد كانت فرصة مشرفة لي ولتاريخي المهني! أتمنى أن تتكرر في المستقبل رحلات عمل الباشمهندس، وان اختير أنا ايضاً لأدير المكان، لأن العائد المالي مغري جداً! هذا يعتمد بالطبع…على ما إذا كنت قد أديت واجبي بكفاءة في هذه الفترة! أنا متأكد أني أديته على أكمل وجه، ومع ذلك، خسارة أن يمر الأسبوع بهذه السرعة!! لما العجلة يا أيام، فمن يلاحقك؟ ام انك تبخلين عليَّ بالسعادة كعادتك؟
رن هاتفي المحمول فجأة وأنا أداعب أحلامي، وإذ بها سكرتيرة الباشمهندس! ترى ماذا تريد؟! لعلها إمضاءات روتينية أخرى؟! رديت عليها بسرعة:
- أيوة يا مدام ناهد…إزيك؟
- بخير يا أبو صلاح…أنا آسفة اني بازعج حضرتك…بس الباشمهندس كلمني و أمرني أتصل بيك فوراً!
"سترك يا رب"…تمتمت في نفسي…ماذا فعلت يا ترى؟…او بماذا قد وشوا بي أولئك الانذال؟! فأجبت:
- خير؟!
- الباشمهندس بيبلغك، انه هيتأخر تلات أسابيع زيادة كمان لان ولاده ومراته معاه و هيكملوا فسحة هناك!
يتبع في الحلقة القادمة من العدد التالي…