دولا أندراوس تكتب: منوعات
• للرسائل نفحة رومانسية بغض النظر عن فحواها. فحتى الغاضب شديد اللهجة منها، غارق في لجة الصدق، ناضح بالإنسانية، معبأ بلذة الخصوصية.
للرسائل سحر الهدايا حين نتلقفها وننتزعها من مظروفها بتطلع ولهفة لنتمعن طويلا في رموز خطت خصيصًا من أجلنا.
شهية هي كالحميمية التي تعد بها، كالألفة التي تبثها، كالدفء الذي تداعب به القلب فتهزه من مكمنه هزًا.
هي كالصور نقرأ فيها أنفسنا ومن نحب.. خطوطًا دقيقة منمقة، خطوطًا متعرجة شعثاء، خطوطًا منشرحة منبسطة، خطوطًا حادة متشنجة، خطوطًا طفولية بسيطة، خطوطًا باردة جوفاء، خطوطًا كثيرة متنوعة متفردة كتفرد أصحابها.
الرسالة شكل آخر من أشكال المؤانسة والمجالسة والمخاطبة والصحبة والتواصل تأتي بالأحبة أمام أعيننا وتضعهم في جيب القلب وفي كنف النهد وفي حضن المخدع وتجعلهم هنالك يبقون.
• الزواج علاقة حية يلزمها مجهود واعٍ من أجل تغذيتها والعناية بها. ولذلك يذهلني أن أجد من يقبل على الزواج على أساس إنه بطيخة أو ورقة يانصيب.. فيدخل في ذلك العهد المؤسسي الوثيق من منطلق يا صابت يا خابت.. وكأن مسئولية انجاح زواجه قائمة على أحد آخر سواه، وكأنه هنا للفرجة فقط. إن هؤلاء بلا شك يحكمون علي زيجاتهم بالفشل قبل حتى أن يبدأوها، ذلك لأنهم ليسوا مستعدين لتحمل مسئولية إختياراتهم ولا لبذل المجهود اللازم لإنجاح علاقاتهم.
• أتعجب من مدى التغير الذي طرأ علي لغة الشارع المصري في غضون السنوات القليلة الماضية. استشرت لغة “الروشنة” التى تخرج عن أعراف وقواعد اللغة الفصحى والعامية لتخترع لنفسها مجموعة من المفردات المنحوتة، والكنايات التى قامت مقام تعبيرات ظلت مستقرة فى عرف الاعتيادية لقرون عدة. أترحم من قلبي علي طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ؛ عمالقة الأدب العربي الذين كانوا يعتنون عناية فائقة بكل كلمة يكتبونها والذين كانت تدور بينهم المعارك الكلامية الضارية والندوات والمشادات الساخنة اعتراضًا علي لفظ قيل في غير موضعه أو هنة لغوية أو خطأ في الإعراب. وأذكر في هذا السياق أنني قرأت عن خلاف دار بين عبد الرحمن الشرقاوي وطه حسين ذات مرة بسبب إطلاق العميد لكلمة المتأدبين علي الأدباء الشبان فاتهمه الشرقاوي بأنه يستخف بهؤلاء ويستهين بهم حيث أن لفظ المتأدب يطلق على مدعي الأدب لا على الأدباء الحقيقيين. وحصلت بينهما مشادة اعتذر الدكتور بعدها بطرافة قائلاً: لقد قُرئ عليّ القاموس المحيط خطأ. ذاك كان حال اللغة في الأمس غير البعيد وهذا هو حالها اليوم. فهل نتأسف ونحاول مقاومة التيار الحداثي الذي أثر علي اللغة كما أثر علي كل شئ آخر، أم نتقبل الأمر علي إنه التطور الطبيعي للحراك التكنولوجي الحالي والتأثير الحتمي لوسائط التواصل الحديثة من نت وشات ومحمول، ونحاول أن نتعلم المفردات الجديدة التي أصبحت جزءً لا يتجزأ من واقعنا؟