دولا أندراوس تكتب : سرقوا الثورة فهل يسرقون ذكراها؟
في ذكرى ثورة 25 يناير المجيدة. وأقول مجيدة وأصر على هذا التوصيف باعتبارها الثورة المصرية الوحيدة التي تمثلت فيها الارادة الشعبية بكامل عنفوانها وعفويتها.. حيث انتفض المصريون بروح واحدة يحشدون أنفسهم بأنفسهم بكثافة دفاعا عن حقوقهم ومصيرهم ومستقبل وطنهم، فتجلت الثورة كحركة جماهيرية ذات طابع شعبي ضمت المصريين كافة بكل فئاتهم وطبقاتهم وأطيافهم حتى أننا لا نستطيع القول أن فئة بعينها قامت بتحريك الثورة، لكن جاء اشتراك المصريين فيها بصفتهم الشخصية كأفراد لا كنخبة فكان ذلك هو سر قوتها الذي مد الجميع بإحساس الانتماء وساهم بالتالي في تأجج الحالة الثورية واشتداد وطيسها.
بهذه المناسبة٬ وبمناسبة اللغط الصبياني الذي يدور في كل مجلس وفي كل فرصة وفي كل مناقشة حول شرعيتها وحول موقف الأغلبية الحالي منها.. أقول لا تدعوهم يسرقونها للمرة الثانية.
كلنا امتلكنا الثورة ذات يوم وكلنا تفاعلنا بدرجات متفاوتة مع نبض الشارع، مع هتافاته التي كانت تنادي باسترداد المواطن المصري لحقوقه الإنسانية الأساسية من حرية وكرامة وعدالة، مع شهدائه الورود التي تفتحت في جناين مصر والنجوم التي سطعت في سمائها.. شبابها الذين رووا بدمائهم الذكية أرض الميدان واثبتوا للعالم كله مدى صلابة الشباب المصري وحبهم لبلدهم. من منا لم يشعر بالفخر عندما تصدرت أخبار الثورة المصرية مانشيتات الجرائد العالمية وأشاد رؤساء دول العالم بالمصريين صانعي التاريخ والحضارة وكتبت السي أن أن تقول أنه لأول مرة في التاريخ نرى شعبا يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها.
صحيح أن الثورة لم تحقق أيّا من أهدافها بعد نظراً لما شهده المجتمع المصري من تخلخل في موازين القوى الناتج عن سطو الاخوان على الثورة ومقايضاتهم السرية مع المجلس العسكري للامساك بمقاليد الحكم٬ لكننا نستطيع القول بأن حالة الفشل والفوضى التي تعقب الثورات ليست بدعة، وإنما هي حالة تاريخية عادية ومألوفة تلازم كل الثورات الشعبية على مدى التاريخ. فإذا استعرضنا التجارب الثورية الكبرى، انطلاقاً من الثورة الإنجليزية في القرن السابع عشر، مروراً بالثورة الفرنسية سنة 1789، والثورة البلشفية سنة 1917، انتهاء بالثورات التي قامت في أنحاء متفرقة من العالم في القرن العشرين، نجد أن كثيراً منها احتاج إلى عشرات الثورات الفرعية قبل أن يستقر الوضع بشكل نهائي وتتحقق الأهداف الثورية بصورة كاملة، فالثورة الفرنسية مثلاً، وهي النموذج الأهم والأشهر بين كل الثورات التي قامت في التاريخ، لم تتمكن من تجاوز صراعاتها وتناقضاتها إلا بعد مرور عشر سنوات كاملة من التوترات والفوضى. الثورات عموماً لا تؤدي إلى الدولة الديمقراطية بشكل مباشر لا بد من المرور بما يسمى "المرحلة الانتقالية"، وهي مرحلة تمهيدية مهمة يتم فيها تسوية معظم القضايا العالقة في المجتمع. وهي أزمة مرحلية لا بد منها لينضج الفكر المدني الديمقراطي بالشكل المطلوب وتتخلخل وتنزاح يقينيات الذهنية المصرية التي ظلت على مدى عقود طويلة مشدودة إلى كثير من الأوهام التي ثبت اليوم بطلانها. إذ أنه لا مجال للمقارنة بين ما كانت عليه الذهنية المصرية قبل الثورة وما هي عليه الآن.
ولاننا لسنا ممن أدمنوا الفوضى ولسنا ممن يستمرئون المعارضة من أجل المعارضة ولسنا أغبياء لنلدغ من نفس الجحر مرتين لذلك لن نتحالف مع الشيطان ولن نساند الاخوان في مؤامرتهم علينا ولن ندعهم يتسللون إلى وطنيتنا لتسريب أفكارهم المسممة المشوبة بكثير من المغالطات والأخطاء من خلالها أو نسمح لهم بسرقة ثورتنا للمرة الثانية.
سنبقى نطالب بتحقيق مطالب الثورة وبإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي تُعلي من شأن الإنسان بما هو إنسان، دون النظر إلى حيثياته الدينية أو الطائفية أو الجنسية. وإن كنا نعاني فشلاً مرحلياً فسنتجاوزه فلطالما تجاوزنا المحن والأزمات التي اعترضتنا مهما بلغت من الشدة والتعقيد لأننا نحن الشعب الذي يقوم بثورة ثم ينظف بعدها.