مجدي خليل يكتب: بعد مائة عام..من الهجوم على سايكس بيكو إلى التحسر عليها
بحلول 16مايو 2016 يكون قد مر مائة عام على سايكس بيكو التى كانت موضع هجوم معظم، إن لم يكن كل، مثقفى العرب على مدى العقود الستة الأخيرة متهمين الأتفاقية السرية بوضع الحدود المصطنعة بين الدول العربية. على مدى عقدين من الزمن وقفت وحيدا مدافعا عن سايكس بيكو فى الفضائيات العربية، وقلت مرارا أنها صنعت من ولايات مبعثرة تحت الخلافة العثمانية دولا قومية حديثة بعد أن جمعت عددا من الولايات فى عددا من الدول تحت رأية دولة وطنية واحدة، وكان يواجهنى مثقفين ينتمون إلى فصيلين، فصيل الإسلام السياسى الحالم دائما بالخلافة الإسلامية والمتحسر على سقوطها عام 1924 والمؤمن دينيا بحتمية عودتها، وفصيل القوميين الذين يحلمون بالوحدة العربية تمهيدا للوحدة الإسلامية، والذى لا يختلف إيمانهم الدينى بحتمية عودتها عن الإسلاميين.
عام 1916 صاغت المصالح الأوروبية الأستعمارية شكل المنطقة، وعام 2016 يصيغ الإسلام السياسى، الذى توحش بعد ما يسمى بالربيع العربى، شكل المنطقة الجديد، خاصة بعد أن أعلنت داعش عام 2015 سقوط سايكس بيكو وسط أحتفالات إسلامية صاخبة، وشتان بين ما فعله الأوروبيون ، رغم بعض أخطائهم كالتخلى عن الأكراد مثلا، وبين ما يفعله الإسلاميون حاليا، حتى أن بعض المثقفين العرب بدأ متحسرا، بعد فوات الأوان، على سايكس بيكو.
رغم الذل والتخلف والخراب والنهب الذى صاحب حكم الخلافة العثمانية للمنطقة لمدة أربعة قرون، إلا أن التعصب الدينى ويوتوبيا الخلافة جعل الكثيرين أمثال مصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهم يدعون إلى ما تسمى بالجامعة الإسلامية، أى تخليص مصر من الاحتلال الأنجليزى وعودتها للحضن العثمانى، ومما يؤسف له أنهم ما زالوا يصورونهم كأبطال فى كتب التاريخ المصرى، ومن يقرأ كتاب محمد فريد عن الخلافة العثمانية يشعر بالأشمئزاز من أول صفحاته إلى آخرها.
الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التى أعلن عنها داعش وشركاءه فى الخراب ستحول الشرق الأوسط إلى جحيم الحروب المذهبية والتشرذم الوطنى والخراب الشامل، ومما يؤسف له أن سلمان بن عبد العزيز الذى يعمل بلا كلل لإشعال حرب سنية شيعية سيكون بدوره أحد العلامات البارزة فى الفترة القبيحة القادمة.
القوميون العرب، من عبد الناصر لصدام للقذافى، الذين فشلوا فى صناعة الوحدة داخل بلدانهم وحكموا على جثث مواطنيهم ضيعوا عقودا فى السعى نحو الوحدة العربية الوهمية المزيفة. واتذكر صدام قبل غزوه للكويت بشهور ضغط من آجل إنشاء (دول التجمع العربى) من العراق ومصر والأردن واليمن، وكان بدوره يمهد ويحاول حماية ظهره من غزوه المرتقب للكويت عام 1990...صدام هذا قبل سقوطه عام 2003 كان قد فقد بالفعل السيطرة التامة على شمال العراق.
حلم عبد الناصر الوهمى تحول بدوره لكابوس عام 1967. نهاية القذافى كانت خير معبر عن ختام لمرحلة الطغيان فى ليبيا حيث أستلمها الأسلاميون ليديروها وفقا لمبدأ (إدارة التوحش) الذى أعلن عنه أبو بكر الناجى فى كتابه.
جعفر النميرى الطاغية العسكرى المتأسلم،الذى فجر الحرب الأهلية فى السودان نتيجة قوانين الشريعة، ومن بعده المتأسلم المجرم البشير قادا السودان إلى التقسيم الأول والذى سيتبعه بالتأكيد عدة تقسيمات أخرى للسودان.
حتى فى مصر قاتل الأنجليز العثمانيين عام 1906 للحفاظ على وحدة سيناء بما فيها تيران وصنافير، والتى تخلى عنها النظام المصرى الحالى للسعودية تحت ذل الحاجة للمال.
القوميون العسكريون المستبدون الفشلة، والإسلاميون المتوحشون الخونة، ضيعوا المنطقة وقادوها للخراب، وبالمناسبة هم أخوة فى الرضاعة، فلا يستطيع العسكرى تنمية أستبداده وتمديد حكمه بدون وجود إسلاميين متوحشين أغبياء.
بأختصار، رغم أن الأستعمار كان يسعى لمصالحه بالتأكيد، إلا أنه على الأقل بنى دولا حديثة، وأدخل طرقا حديثة، ونموا للديموقراطية والحريات العامة، ونهضة عربية كانت باذخة، مع قدر من الحريات للأقليات.......وجاء الصراع الممتد على مدى عقود بين العسكريين والإسلاميين لينتهى بنا إلى ضياع كل شئ...الحرية، والتعليم، والنهضة، والوعى، والفكر، والأرض،والديموقراطيات الوليدة...علاوة على أنه سينتج لنا شرقا أوسطا جديدا قبيحا مقسما مفتتا مجزأ متصارعا.... ولن يندم العرب على سايكس بيكو القديم فحسب ولكن حتى سيندمون كذلك على شكل الشرق الأوسط الجديد الذى أقترحه شيمون بيريز ولطفى الخولى.
وستبقى إسرائيل أقوى وأكثر أزدهارا لأنها عرفت أن العلم والحرية والعلمانية والديموقراطية هى الحل، وهى أمور شيطنها وحاربها القوميون والإسلاميون معا.
العلم هو الحل- العلمانية هى الحل- الحرية هى الحل-الديموقراطية هى الحل.