زينب علي البحراني تكتب: استقلالية المرأة ودور الرجل
في فيلم "منزل البُحيرة" الذي أخرجه "أليخاندرو أجريستي" وأبدع في تأدية دوري بطولته النجمين "كيانو ريفز" و"ساندرا بولوك"؛ يعيش البطلين في عالمين موازيين وبُعدين مُختلفين من الزمن يجعلان "كيت" تعيش متقدمة على الزمن الذي يعيش فيه "أليكس" بعامين، لكن صندوق البريد في المنزل الذي كان يقيم فيه كان بمثابة حلقة وصل بين العالمين تسمح بوصول رسائل أحدهما إلى الآخر، فكتبت له ذات مرة أنها تشتاق كثيرًا للأشجار التي تظلل منزلها السابق بعد انتقالها للإقامة في مبنى جديد يخلو من الأشجار، وإذا به يقتلع جذع شجرة من مكانه في عام 2004م ويغرسها أمام المبنى الذي عرف أنه تقيم فيه ليحقق أمنيتها وتراها تكبر وتزهر في عالمها عام 2006م، ثم يكتب لها بمشاعر تفيض رقة: "سأجد دائمًا طريقة لأعتني بك حتى وإن كنا بعيدين إلى أن يأتي اليوم الذي نصبح فيه معًا".
هذا المشهد المؤثر يُلخص زاوية هامة من زوايا العلاقة بين الرجل والمرأة في كل بقاع الأرض، تلك العلاقة التي تتجاوز حدود الاحتياجات المادية والغريزية التي يمكن حلها بـ"الاستقلالية" و"الاعتماد على النفس" و"الاكتفاء الذاتي"، فـ"كيت" طبيبة مستقلة ماديًا في بلد تدعم قوانينه حُرية المرأة والمساواة بين الذكور والإناث، لكن تلك المجتمعات مثلما فهمت ضرورة استقلال الفرد بصرف النظر عن جنسه؛ وعت أن هذا الفرد مهما بلغ من درجة الاستقلال المهني والمادي يبقى بحاجة إلى الرعاية والاهتمام والتقدير من شخص آخر، على عكس حالة الفوضى التنظيرية التي يعيشها الداعين اليوم للمساواة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي وصلت إلى درجة تحميل المرأة كل أعباء الحياة بعيدًا عن أي مساعدة أو مشاركة مادية أو عاطفية أو وجدانية من الرجل! إذ ما أن نتحدث عن دور من أدوار الرجل المادية أو العاطفية في علاقته بشريكة حياته حتى تقفز إحداهن مُدعية أن المرأة المستقلة لا تحتاج أن يفعل الرجل لأجلها شيئا، أو يقفز أحدهم زاعمًا أن المرأة العاملة التي تقبل أن يُنفق شريك حياتها عليها أو يشتري لها شيئا ليست سوى "جارية"، وقد يتمادى بعضهم في وقاحتها وينعتها بالعهر حتى وإن كانت زوجة! وهي بطبيعة الحال محاولة ذكورية رخيصة تنتهز الفرصة للتملص من كافة الالتزامات تجاه الزوجة والمخطوبة والحبيبة و"العيش على قفاها" بحجة أنها امرأة عاملة رغم أنها ظاهرة مريضة لا تدعمها قوانين البلدان الأجنبية كما يتصور بعض الوصوليين والاستغلاليين، فالمرأة هناك تنعم بكثير من مظاهر الرعاية العاطفية والمادية التي يقدمها لها شريك حياتها مع ما تقدمه لها القوانين من حماية لكرامتها الإنسانية.
المرأة المستقلة ماديًا قد تستطيع شراء محل كامل للورود الطبيعية؛ لكن هل تساوي قيمته قيمة المشاعر الدافئة المحتشدة في وردة واحدة يقدمها لها رجل تبادله المشاعر؟ المرأة المستقلة ماديًا قد تستطيع شراء مطعم كامل؛ لكن هل تساوي قيمته المعنوية قيمة دعوة على العشاء من رجل يدفع قيمة وجبتهما المشتركة بحُب؟ المرأة المستقلة ماديًا قد تستطيع شراء معرض كامل للسيارات؛ لكن هل تساوي قيمته المعنوية قيمة بضع دقائق من وقت الرجل الذي يحبها ليوصلها إلى المكان الذي تريده بسيارته العتيقة؟ المرأة "السوبرمانة" قد تستطيع حمل الأشياء الثقيلة بمفردها؛ لكن هل يوازي ذلك تلك اللحظة التي يحمل فيها رجلها المفضل شيئا عنها على اعتبارها أميرة قلبه التي تستحق التدليل؟ "كيت" المستقلة ماديًا كان باستطاعتها استئجار أي عامل بمالها ليغرس جذع شجرة تشتريها بنقودها أمام باب مسكنها؛ لكن هل ستحمل نفس ما حملته الشجرة التي غرسها "أليكس" من مشاعر الحب والاهتمام والرغبة الصادقة في رعايتها وحمايتها؟ المسألة ليست مسألة "استقلالية" أو"اتكالية" قدر ما هي مسألة طاقة ذكورية وطاقة أنثوية لا بد من اتحادهما برفق عن طريق الاهتمام المتبادل لتكتمل سنة التوازن الكوني، وحين لا تكتمل تلك الدائرة يبدأ المرض والجنون والركض نحو فناء البشرية.
يجب أن نشفى من حالة التطرف التي تضع المرأة والرجل بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن تعتمد المرأة على نفسها اعتمادًا كليًا متنازلة عن دور الرجل في حياتها مقابل مساواتها معه في الحقوق، أو أن تتنازل تنازلاً كليًا كاملاً عن حقوقها الإنسانية مقابل اهتمامه بها ورعايته لها، لأن طاقة الذكورة والأنوثة لها حساباتها الروحية المنفصلة عن المصالح الجنسية والمالية، ولا يمكنها أن تتسق إلا بوجود قوانين تحمي حقوق الطرفين دون شروط صارمة تجبر أحدهما على تقديم تنازلات من نصيبه الطبيعي في الحياة.