تيران بين نكسة الأمس واليوم!
هرع أنور السادات - والذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الأمة - إلي جمال عبد الناصر ليبلغه أنه تقابل مع مسئولين سوفيت في موسكو وأخبروه أن الأسرائيليين حشدوا عشرة ألوية علي الحدود السورية، ولم يكن السادات وحده مصدر تلك المعلومة ولكن مندوب المخابرات السوفيتية بالقاهرة أبلغها لنظيره المصري، "صلاح نصر". ولأن مصر كانت تجمعها بسورية إتفاقية دفاع مشترك منذ نوفمبر 1966 فقد رأت أن عليها أن تتحرك للدفاع عن حليفتها سورية. وبالفعل وفي صباح الرابع عشر من مايو عام 1967 صدرت توجيهات من المشير عبد الحكيم عامر برفع حالة الإستعداد بالقوات المصرية من حالة الإستعداد "الدائم" إلي الإستعداد "الكامل"، وتم حشد أكثر من 100 ألف فرد في سيناء في مدة 72 ساعة. وبناء علي هذه المعلومات سافر رئيس الأركان "محمد فوزي"، لإستطلاع الأمر، وكانت المفاجأة هي عدم صحة تلك المعلومات، فلا يوجد حشود إسرائيلية ولا السوريين أنفسهم لديهم معلومة عن هذا الأمر. ورغم التأكد من خطأ المعلومة السوفيتية، ورغم غياب ثلثي القوات المصرية لمشاركتهم في حرب اليمن، ورغم أن القوات المسلحة المصرية لم يكن لها سوي خطة دفاعية أُطلق عليها "قاهر" ولم يكن لها أي خطة هجومية، ورغم أن كل القادة العسكريين كانوا علي علم بأن القوات المصرية ليست مستعدة لخوض حرب مع إسرائيل في هذا الوقت. لم يتراجع عبد الناصر وطربت أذانه مع مدح الإذاعات العربية، وهتافات العرب ولا سيما الفلسطينيين له، ليدخل مغامرة أكبر من مغامرته السابقة عام 56. ويندفع ليُعلن في 22 مايو وفي زيارة لمركز القيادة المتقدمة عن قراره بإغلاق مضيق "تيران" أمام الملاحة الإسرائيلية، وهو القرار الذي لم يكن له مرادف سوي إعلان الحرب، لان هذا المضيق هو ممر إسرائيل الجنوبي الوحيد علي البحر، ليورطنا في حرب، قضي فيها علي أرواح المصريين وأمال العرب، ولنحصد 20 ألف قتيل وضعفهم جرحي ونصفهم أسري، وتدمير أكثر من نصف العتاد الحربي المصري، ولتشكل واحدة من الهزائم النكراء التي تعرضت لها مصر والتي أُطلق عليها لقب "نكسة" لمحاولة تخفيف تلك الكارثة.
وتشاء الأقدار وبعد خمسون عاماً تماماً تطل علينا جزيرة "تيران" ومعها نكسة جديدة وربما أسوء من نكسة أمس حينما نستيقظ علي السلطة التشريعية والبرلمانية المصرية وهي تخالف الدستور جهاراً نهاراً ولتضرب بأحكام السلطة القضائية عرض الحائط وتقرر مناقشة أمر التنازل عن تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية. بعد أسابيع من طعن رئيس، و رئيس وزراء، ووزير دفاع، و وزراء مصر علي حكم قضائي لأعلي جهة قضائية بالبلاد جاء في حيثياته، "أن مصر ليست نقطة في خرائط الكون أو خطاً رسمه خطاط، إنما من أكبر البلاد وأقدمها حضارة، وسيادة مصر مقطوع بها على الجزيرتين". جزيرتين تشهد بمصريتهم الخرائط والوثائق والكتب في مصر و السعودية. حتي أن ملك السعودية وفي حوار مع صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية بنفسه قال أن مصر عرضت عليه الجزيرتين مقابل حزمة مساعدات إقتصادية. تيران التي تسببت قبل 50 عاماً في نكسة حقيقية علي يد الأعداء تسببت اليوم في نكسة جديدة وهزيمة جديدة دون حرب، وهو أن من يطعن علي أحكام القضاء بمصرية الجزيرتين، ومن يذهب بها للبرلمان ، ومن ينشر بالصحف الحكومية عن أحقية السعودية بهما ، ومن يُخوٌن من ينادي بمصرية الجزيرتين ، ومن يقبض علي الشباب رافضي التنازل عن أرض الوطن، جميعاً مصريون بينما السعودية لم تفعل أي شئ، فقط ترانا ونحن نفعل لهم ذلك، هل شعرت وأدركت نكسة 2017 التي نعيشها؟!.