ابرام مقار يكتب: بارومي .. أيقونة ظلم مصرية
عام 1975 أُدين الشاب "كوامي أجامو" صاحب الـ 17 عام بقتل عامل صرافة بكليفلاند، بسبب شهادة صبي عمره 12 عام قال أنه شاهد "كوامي" وأثنين أخرين يطلقون النار علي عامل الصرافة، ليُحكم عليه بالأعدام ثم يتم تخفيف الحكم بـ السجن مدي الحياة، وبعد قرابة 40 عاماً نشرت جريدة محلية تفاصيل أكثر عن الجريمة بعد أن سحب الصبي شهادته وقال أنه وقتها كان طفلاً صغيراً وأنه لم يشاهد الجريمة ولكنه أراد مساعدة الشرطة، وظن حينها أنه يلعب دوراً بطولياً في القضية، ليتم إعادة التحقيق في القضية من جديد. وفي 2014 حكمت القاضية "باميلا باركر" برفض التهم الموجهه لـ "كوامي"، ليبكي علي تلك الأعوام التي قضاها في السجن ظلماً. وبعد إنتهاء جلسة المحاكمة صدرت قرارات من البيت الأبيض بتشكيل لجنة من القضاة والمستشارين لإعادة النظر في القوانين التي تسببت في إعتقال "كوامي أجامو" وسجنه ظلماً. ولم يمر أسبوع ليُفاجأ "كوامي" بزيارة الرئيس الأمريكي وقتها، "باراك أوباما" هو وأسرته للعشاء معه بمنزله.
تذكرت تلك الواقعة الأمريكية بعد أن تلقيت طلباً من مجموعة من الصحفيين والشخصيات العامة المصرية بمشاركتهم التوقيع علي بيان يُطالب بالأفراج عن النسخة المصرية الأكثر ظلماً، "جرجس بارومي"، بعد قضائه نصف العقوبة. بارومي الذي حُكم عليه بالسجن 15 عام خلف القضبان بسبب شهادة شاب لم يتجاوز الـ 16 عاماً، رغم أن كل شئ يُثبت أنه لم يفعل شيئاً. فمن يصدق أن شخصاً عاجزاً جنسياً ينال عقاباً في جريمة "إغتصاب". من يصدق أن ينال شخصاً عقاباً بتهمة "إغتصاب طفلة" أثبت الطب الشرعي الرسمي أنها لم تتعرض للإغتصاب ، من يصدق أن شاباً لا يقرأ ولا يكتب ولا حول له ولا قوة يتم تحميله مسئولية مذبحة تحدث عنها العالم. من يصدق أن أنساناً بسيطاً لا يدرك ما يدري ولا يعي ما حدث - حتي الأن - يتم إتهامه بكل تلك الجرائم. المشكلة تكمن في أنهم لم يجدوا أضعف من هذا الشاب ليحمل تبعات الفوضي والقتل والتخريب للأفراد والممتلكات التي حدثت وقتها، وبدلاً من عقاب من فعل تلك الجرائم، وجدوا ضالتهم فيه، ليحملها هو وأعتبروه الدافع والمسبب لها. المشكلة تكمن في أن الدولة رضخت لمجموعة من البلطجية، أقرت شروطها - في غياب أية معايير قانونية - وحكمت علي أسرة ضعيفة فقيرة أن تترك ديارها وترحل، ظُلم بينٌ كانت نتيجته أب أصابه المرض ، وأم لم تعد تعرف سوي البكاء والحزن، وأبن ضاعت سنوات عمره. ثمان سنوات مضت سقطت أنظمة ورؤساء وقيادات وسلطات في مصر ولم يسقط هذا الحكم الجائر بحق "بارومي"، ورغم كل مناشدات الداخل والخارج مازال العناد والإستمرار في القهر هو سيد الموقف. ثمان سنوات صدرت خلالها مئات القرارات بالعفو بحق سجناء منهم الفاسد والأخواني والإرهابي ولا يزال بارومي خارج تلك الحسابات تماماً. مصر الحديثة لن نراها قبل رد إعتبار هذا المسكين الذي ليس فقط لم تعطه الدنيا شيئاً بل سلبه وطنه الفتات الباقي من حياته، فأي ظلم هذا؟!