A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

مجدي خليل يكتب: الأقباط كما رآهم اللورد كرومر

منذ دخول المسيحية إلى مصر على يد الشهيد القديس مار مرقس الإنجيلي، والأقباط يُعانون من اضطهادات مريرة لم تتوقّف إلا لفترات قصيرة فى التاريخ، بل إنّ مار مرقس نفسَه استشهد فى شوارع الاسكندرية، وصار أيقونة الشهداء الأقباط ونحتفل هذا العام بمرور 1950 سنة على إستشهاده. ثم جاء الاضطهاد الرومانيّ ببشاعته، وبعد ذلك الاضطهاد المذهبيّ البيزينطي بغبائه وإجرامه. ثم دخلنا إلى المرحلة الأكثر سوادًا فى تاريخ الأقباط، وهي الاضطهاد الإسلاميّ الوحشيّ المُذّل. إنّ الاستشهاد لم يكسر الأقباط بل زادَهم إيمانًا وتمسكًا بمسيحيّتهم، ولم يتحوّل الأقباط إلى الوثنيّة أو إلى المذهب البيزنطي تحت وطأة هذا الاستهداف، أمّا الاضطهاد الإسلامي فكان من الخُطورة بمراحل أنّه كسر الشخصيّة القبطيّة لأنّه اعتمد على الوحشيّة الممزوجة بالإذلال طويل الأجل عبر نظام العبودية المسمى بالذمية، وقد أدى ذلك إلى تحوُّل الأغلبية المسيحيّة إلى الإسلام تحت وطأة السيف والنهب والمذلّة والجزيّة. ويُؤسفُني القول إنّنا لم نطرح على أنفسنا –كأقباط- أسئلة نقديّة أو دراسات نقديّة عن تاريخنا تحت الحكم الإسلاميّ، بل كانت مُعظم الدراسات القبطيّة تميل نحو تمجيد الذات والاحتفاء بالثبات، وهذه الكتابات لها دورٌ فى تثبيت الأقباط وحثّهم على الصمود فى مواجهة هذا الاضطهاد المستمر، لكننا نحتاج فى الوقت ذاته إلى بعض النقد الذاتي وخاصّة عند تناول مساوئ الحقبة الإسلاميّة، أو عندما نقرأ ما كتبَه بعضُ الأجانب فى نقد الأقباط. فهناك عشرات الأسئلة الحائرة عن هذه الفترة.. وعلى سبيل المثال:- 1. لماذا سقطت مصر أمام عدّة آلاف من البدو العرب؟ ولماذا سمح الأقباط لهؤلاء البدو بغزو بلادهم وكان بمقدورهم مقاومتهم؟ 2. كيف تحوّلت الكنيسة القبطيّة من مُناهضة البيزنطيّين إلى كنيسة ذليلة تحت الحُكم الإسلاميّ مُتبنية لنموذج التسامُح المُذل الذى كرّسته فى عُقول رعاياها، بل وبعض رجالها تواطئوا مع الحُكم الإسلاميّ ضد شعبهم؟ 3. لماذا لم تشجِّع المؤسسة الكهنوتيّة حركاتِ الاحتجاج القبطيّة من البشموريين إلى أقباط المهجر؟ 4. لماذ فشل الأقباط في وقف بشاعة وهمجيّة الحاكم بأمر الله، وكانوا في عصره يُشكِّلون حوالى نصف سكان مصر؟ لماذا لم تتشكّل جماعة قبطيّة تُمارس العنف الإيجابيّ بقتله وتخليص الأقباط من شروره؟ 5. لماذا لم يتحالف الأقباط مع أثيوبيا ومع النوبة، في وقت كان هذا التحالف مُمكنًا؟ 6. لماذا لم يتفاعل الأقباط مع الأجانب، وخاصّة الغرب المسيحيّ، بإيجابيّة؟ 7. لماذا يرفض الأقباط ومؤسّستهم الكنسيّة الاعتراف بأنّهم أقلية مضطهدة ومُحاصرة رغم أنّ العالم كُلَّه يُدرك ذلك في عصر حقوق الإنسان؟! 8. لماذا ظهر الكثير من الخونة الأقباط، حتى في بلاد المهجر، دون أن ينالوا أيَّ عقاب حتى ولو كان عقابًا معنويًا من الشعب القبطيّ المضطهد؟ 9. لماذا لم يُؤثِّر الأقباط، بشكلٍ واضح، في ثقافة المسلم المصريّ، بل على العكس تأثّروا هم به؟ 10. لماذا عزلت الكنيسة القبطيّة الشعب القبطي في المهجر داخل أسوارها وأثّروا سلبيًا على تفاعُله الإيجابيّ وعلى اندماجه في أوطانهم الجديدة فى الغرب؟ 11. لماذا وقفت المُؤسّسة الكنسيّة الرهبانيّة كحجر عثرة أمام أي حركة إصلاح قبطيّ عبر التاريخ؟ 12. لماذا لم تنتج المؤسّسة الكنسيّة القبطيّة لاهوت حياة، ولاهوت تحرير، ولاهوت حق، ولاهوت عدالة، ولاهوت ثورة، ولاهوت انفتاح؟ بل على العكس أبدعوا في لاهوت الموت والتخدير والذميّة والخُنوع والمذلّة للحاكم العربي المسلم؟ 13. لماذا -بدعوى الحفاظ على الإيمان- حبسوا شعبَهم في جمود فكري ولاهوتي لا نظير له ولا فكاك منه؟ 14. لماذا أصبح الشعب القبطي رهينة في يد المُؤسّسة الكنسيّة الرهبانيّة؟ 15. لماذا يتسامحون مع المسلم حتى المذّلة ولا يتسامحون أو يسامحون بعضهم البعض؟! 16. لماذا يتشارك الأقباط، مع مجموعات دينيّة بدائيّة حول العالم، في تقديس رجُل الدين لدرجة تقبيل يديْه والسجود له ووصفه بسيدنا، والدوران حوله بدلًا من النظر إلى السيد المسيح؟ 17. وأخيرًا وليس آخرًا -هل لم تكن هناك خيارات أخرى مُتاحة للأقباط عبر تاريخِهم مع الإسلام سوى تلقي الاضطهاد والخضوع والمذلّة؟ هذه الأسئلة -وغيرها الكثير- شجّعتني على نشر الدراسة النقديّة التى نشرها اللورد كرومر عن الأقباط في مذكراته، والتي نُشرت فى جزئيْن عام 1908 في كتاب بعُنوان "مصر الحديثة". وأهمية اللورد كرومر لا ترجع فقط لكونه سياسيًا بارزًا ومثقفًا ومُصلِحًا حداثيًا حَكَمَ مصر تقريبا لمُدة رُبع قرن، ولكن لكون كتاباتِه عن الأقباط تُشكِّل رُؤية شخصيّة غربية مرموقة عاشت وسط الأقباط، وتفاعلت معهم، ورصدت مزاياهم وعُيوبهم بعين أجنبية خبيرة، ورغم أنّ نقده للأقباط كان قاسيًا في بعض جوانبه، إلا أنّ نشر هذا النقد يُمثِّل جَرسَ إنذارٍ لنا جميعًا لإعادة النظر في بعض جوانب تفكيرنا. عاش اللورد كرومر في مصر لمُدة 29 عامًا منذ عام 1877 كمندوب للصندوق العالمي للدين المصري بالقاهرة، ثم كمندوب بريطاني سامٍ وحاكم فعليّ لمصر في الفترة من 1882-1906، وقبلها كان مندوبًا بريطانيًا في الهند. لقد شجّع اللورد كرومر النُخبةَ المصريّة المستنيرة مثل أحمد لطفى السيد، وسعد زغلول وشقيقه فتحي، وقاسم أمين، ومحمد عبده، ومرقس فهمي ، وغيرهم من نجوم الفترة الليبرالية، حتى إنّه هو من أوحى للطفي السيد بمقولة "مصر للمصريين". وكتب عنه لُطفي السيد قائلًا "أمامنا اليوم رجُل من أعظم الرجال يندر في عصرنا وجودُ ندٍ له يضارعه في عظائم الأمور". كان اللورد كرومر يرى أنّ أعظم استفادة بريطانيّة من مصر تكون عبر تحديثها ونقلها نقلة نوعيّة، ثم بعد ذلك مَنَحَها استقلالا ذاتيًا كاملًا، حتى بعد رحيله نشرَ مذكراته بعنوان "مصر الحديثة". هذه النبذة عن لورد كرومر تجعلنا نأخذ ما كتبَه عن الأقباط بمحمل الجد. وفي هذه المقالة نستعرض أهم ما جاء في الفصل الذي كَتَبَه عن الأقباط في الجزء الثاني من مذكراته بعنوان (المسيحيّون). في البداية يذكر لورد كرومر عدد المسيحيّين في مصر وفقًا لتعداد 1897 وقد بلغ عددُهم 608 ألفًا ضمن تعداد مصر البالغ 6.3 مليون نسمة، أيّ يُشكِّلون تقريبًا 10% من تعداد مصر في ذلك الوقت، ثم يذكر بعد ذلك أهم ملامح تشخيصِه للأقباط في الآتى: أوّلًا: الأقباط سجنوا أنفسَهم فى عقيدتِهم الجامدة غير المتطوّرة يقول لورد كرومر "إنّ مسيحيّة الأقباط محافظة مثل إسلام المسلمين، والفكر اللاهوتيّ الشرقيّ لم يمر بعملية تطوير. هذا يعنى أنّ التعاليم بقت على حالها المُتشدّد غير المُحدَّد الذي تركه كُلٌّ من قسطنطين وجوستنيان، وإذا بقت عقيدة دينيّة دون أن تُكيّف نفسَها مع المتطلبات التي تظهر مع تطوّر العالم فقد يحدث أحدُ أمريْن: فإمّا أن يتقدّم المجتمع وتجنح العقيدة الدينيّة ثم تُنسى في نهاية المطاف، أو تمسّك العقيدة بالمجتمع في قبضتها وتسد طريقه في وجه التقدُّم، والعقيدة المسيحيّة فيها من المرونة ما يجعلها تكيّفُ نفسَها مع المتطلبات الحديثة، ولكن هذا لم يحدث مع الأقباط". ويُفرِّق لورد كرومر بين ركود المسيحيّ القبطيّ والمسلم المصريّ، فيرى في عقيدة المسلم وتراثه وتقاليده ونُصوصه الدينيّة ما يمنعه من التغيير لأنّها "محكومة بنصوص قرآنيّة مُحدَّدة وجامدة غير مُسايرة للتطوُّر الإنساني أو الارتقاء بالجنس البشريّ، أمّا القبطيّ فبقى بلا تغيير، ليس لأنّه مسيحيّ بل لأنّه شرقيّ، ولأنّ دينه الذي يسمح بالتقدُّم كان مُحاطًا بارتباطات مُعادية للتقدُّم". ثانيًا: خُضوع القبطيّ لثقافة الأغلبيّة المسلمة وحول هذا يقول لورد كرومر"لقد أصبح القبطي الحديث، من رأسه إلى قدميْه، مُسلمًا من حيث السُلوكيّات واللغة والروح على الرغم من عدم اعترافه بهذه الحقيقة. والفارق الوحيد بين القبطي والمسلم يتمثّل في أن القبطي مصري يتعبّد في كنيسة مسيحيّة، في حين أنّ المسلم المصري يتعبّد في مسجد إسلامي". ويُواصل اللورد كرومر بحثَه عن التأثير الأخلاقي للإسلام على القبطي بقوله "هل استطاع الدين المسيحي تطوير سماتٍ أخلاقيّة فى المُجتمع القبطي أسمى من تلك السمات التي تُعزى للمجتمع غير المسيحي الذي يُحيط بالأقباط من كلِّ جانب؟.... على حد علمي أرى من المستحيل تحديد أية سمةٍ من السمات الأخلاقيّة التي يتفوّق فيها المسيحي، ومن خلفه 1500 عامًا من المسيحيّة، على المسلم تفوُّقًا ملحوظًا. يُزاد على ذلك أنّ قانون الأخلاق، الذي ينظِّم العلاقات بين الإنسان وأخيه الإنسان، ليس أعلى أو أسمى عند القبطي عنه عند المسلم". ثالثًا: المسيحيّة بريئة من سمات شخصيّة القبطي؛ فهذه السمات نتاج "رذائل العبوديّة" يقرِّر لورد كرومر أنّ: "أقول لهؤلاء الذين يؤمنون بالتأثير الأخلاقيّ والحضاري للعقيدة المسيحيّة إنّ نقائص الشخصيّة القبطيّة لا يُمكن عزوها إلى الدين المسيحيّ، لأنّ عيوبَ الشخصيّة القبطيّة تتمثّل في معظم الأحيان في "رذائل العبوديّة". ويصل إلى نتيجة مؤلمة لتحليله بقوله "أخشى أن يستقر في الأذهان أنّ القبطي يقف الآن، أمام العالم، وقفة مسيحي عاجز، بفعلِ الظُروف المُعاكسة، عن الاستفادة استفادة كاملة من مسيحيته". ينتقل بعد ذلك من الخصائص الأخلاقيّة إلى الخصائص الذهنيّة فيقول "لا يُمكننا القول إنّ الأقباط لم يكشفوا فى أيّ فرع من أفرع الحياة الفكريّة الأرقى عن أيّ شكل من أشكال التفوُّق على المسلمين، لكن الأقباط استطاعوا تحتَ ضغط الظروف تطوير بعض الملكات دون المتوسطة، وهُم على درجة أعلى نسبيًا من المُرونة فى التكيُّف مع بعض المُتطلبات الأوليّة للحضارة ... هذا يعنى أنّ الأقباط جعلوا أنفسَهم مفيدين، أو بالأحرى لا يمكن لظالميهم الاستغناء عنهم". رابعا: الكنيسة القبطيّة تُقاوم الإصلاح يرى أنّ الكنيسة القبطيّة تُعارض بشدّة أيّ حركة إصلاح، وأنّ الكهنة يقومون بسد أبواب التقدُّم بإسم الدين، ويساندها فى ذلك المجتمع المسلم المحافظ الذى يرى الإصلاح خروجًا على السلطة الدينيّة الشرعيّة، وأنّ السلطة المسلمة المحافظة يزعجها تماما وجود قبطي تقدُّمي لأنّ ذلك يظهر عيوب المسلمين، ولهذا تساند هذه السلطة الكنيسةَ ضد الإصلاح. ويضرب المثل بمُحاولات بُطرس باشا الإصلاحيّة لتكوين المجلس المليّ حيث عارضها البطريرك بشدّة، وفى حين أنّ رئيس الوزراء المستنير مصطفى باشا فهمي شجّعها، إلا أنّ وصول رئيس الوزراء، المسلم المحافظ رياض باشا للحكم، انتصر للبطريرك وانتصر بالتالي المعادون للإصلاح نتيجة معاداة الكنيسة للإصلاح ومساندة الإسلام المحافظ لها فى ذلك. وينتقد لورد كرومر الرهبانيّة المصريّة ويقول إنّها قائمة على الانعزال فى الصحراء وتعذيب الذات، وينتقد الصلواتِ الكنسيّة باللغة القبطيّة باعتبارها غمغمات غير مفهومة، حتى إنّ مُعظم الذين يُصلّون بها لا يفهمونها. ويرى اللورد كرومر أنّ الإصلاح القبطيّ كفيل –لو تمَّ فى الوقت المناسب - أن تصبح له مع الأيام خصائص تولّد فيه احترام الذات وتقوية ذلك الاحترام، وعندما سيفعل شبابُ الأقباط ذلك سيستحقون، بل وسيحصلون، على احترام الآخرين لهم، بدلا من بقاءهم معزولين أو راكدين على الشاطئ. خامسًا: الأقباط متعصِّبون دينيًا ينقل لورد كرومر عن مُؤلِّف شهير لإدوارد لين قوله "إنّ التعصُّب يُشكِّل واحدةً من أبرز الخصائص فى شخصيّة الأقباط، وهم يكرهون سائر المسيحيّين الآخرين، وإنّ هذه الكراهية تفوق كراهية المسلمين للكفّار في الفكر الإسلامي. والأقباط بصفة عامّة أصحاب مزاج معتل، وهم مقترون إلى أبعد الحدود، وهم يُظهرون غيرَ ما يبطنون بصورة كريهة جدًا، وهم يتذلّلون أو يسيطرون طبقًا للظروف." ويعلِّق لورد كرومر على هذا الاقتباس بقوله "هذا الحكم ظالمٌ ظلمًا شديدًا من حيث القسوة على الأقباط، ونحن عندما نسلِّم بوجود هذه السمات المنفِّرة التي يُشير إليها لين، يجب أن نلاحظ أنّ هذه السمات ليست مقتصرة على الأقباط، فالتعصُّب، والجهل، والنفاق، والخداع، وعدم الإخلاص، والانغماس فى المكاسب الدنيويّة وفى الملذات الحسيّة، يمكن أن تكون سِمات مصريّة إلى حد ما، لكنها لا يُمكن أن تكون حكرًا على الأقباط بصفة خاصّة". سادسًا: موقف الأقباط من كرومر يرى لورد كرومر أنّ الأقباط لم تكن تحدوهم مشاعر ودية تجاهه لأسباب كتبَها في مذكراتِه، وهى أنّ القبطي كان يتوقّع إنصافُه حتى لو ظُلم المسلم، وهو -كما يقول- أمرٌ لم يكن فى حساباته؛ حيث كانت الكفاءة هي المعيار لديه. ومن ناحية أخرى، إن الأقباط كانوا يحتكرون أنظمة محاسبيّة بالية وعتيقة ولا يفهمها غيرُهم، وكانوا يقاومون التغيير بغريزة المُحافظة على الذات. وعندما قام كرومر بإلغاء المنظومة الحسابيّة القبطيّة القديمة برُمتها أحسَّ الأقباط بالهلع، خاصّة وأنّه نافسَهم في العمل في المنظومة الجديدة المسيحيّون الشوام، الذي يراهم لورد كرومر أكثر كفاءةً ومرونةً من الأقباط. ولكن لورد كرومر يختم هذه الفقرة بقوله إنّه بعد إطالة أمد الاحتلال البريطاني أدى ذلك إلى اعتراف الأقباط، أكثر وبصورة متدرِّجة، بالمزايا التي يحصلون عليها تحت الإدارة البريطانيّة، وبدأ الأقباط يفهمون ضرورة الاعتماد على جهودِهم الخاصّة وتطوير قدراتِهم، وبدأ شباب الأقباط يستفيدون من المدارس التى أنشاها المُبشِّرون الأمريكيّون في سائر أنحاء مصر، وبدأ الجيل القبطيّ الجديد الذى وُلد تحت الاحتلال يُطوِّرون سماتٍ أخلاقيّة وفكريّة أرقى من تلك التي لدى آبائهم. سابعًا: الأقباط مُضطهَدون ومع النقد القاسيّ للأقباط يعود لورد كرومر ويقول: إنّ الأقباط -رغم كل ذلك- يستحقون الإشادة بهم لصُمودهم خلف عقيدتهم في مواجهة الاضطهاد. وينقل عن السير جون بورنج قولَه: "الأقباط هم برايا الشعب المصريّ. إنّهم عِرق محبوب، هادئ، وذكي، تجلّت أبشع رذائله في سعيه إلى الحماية من الظلم والسرقة." (كلمة برايا Pariah تُشير إلى الطبقة الدُنيا المضطهدة في الهند). الخُلاصة عزيزى القارئ، كما رأيت أنّ اللورد كرومر يرى أنّ الصفات السلبيّة للأقباط تعود إلى "رذائل العبوديّة" التى يُعانون منها، وأنّ الأقباط في الواقع هم مسلمون قلبًا وقالبًا، وهم مُتعصِّبون وغير مُتسامحين، وتسامُحهم مع المسلمين هو نِفاق الخائف ليس أكثر، وأنّ كنيستهم هي حارسة للتخلُّف إذ تقف بكُلّ قوّة ضد أيّ إصلاح وتتحالف مع الإسلام المحافظ لوأد أيّ تطوّر، وأنّ الأقباط سجنوا أنفسَهم في مذهب ديني جامد يقف عقبة ضد التقدُّم. عزيزى القارئ، ما رأيك فيما كتبه لورد كرومر؟ وهل تطوّر الأقباط بعد 110 عامًا ممّا كتبَ كرومر أم أنّهم ما زالوا يُعانون من النقائص نفسها؟ والأهم، هل هناك آمل أم أنّ الأقباط سيبقوْن سُجناء فى سِجن الإسلام، بما فى ذلك تأقلمهم مع العبوديّة والمذلّة، إلى درجة أنّ بعضَهم قد أصبحوا سُعداء بالعبودية؟! [email protected]