دولا أندراوس تكتب: أفراحهم و أفراحنا
أخيرا حن علينا الزمن وبعد مناسبات أليمة ليست بالقليلة وبعد كم هائل من الأحزان والمآتم لا يستهان به دعينا أخيرا إلى حضور فرح! والأفراح في كندا قليلة لأنك ببساطة تدعى لفرح إذا كنت تنتمي لاحدى فئتين.. إما الشباب وهم أصدقاء العروسين المنوط بهم عادةً إحياء الليلة بالرقص والغناء وبث جو من البهجة والمرح لإضفاء السعادة على العروسين في ليلة العمر، وإما كبار السن والمتقدمين بالعمر..وهؤلاء هم أهل العروسين وأصدقائهم الذين أتموا رسالتهم التربوية نحو أبنائهم ويستعدون في تلك الليلة الخاصة لتتويج رحلة الحياة بتزويجهم وانفصالهم عنهم.
فإذا كنت تنتمي لمرحلة سنية بين هذا وذاك فاحتمال دعوتك يكون ضئيلا اللهم إلا إذا حالفك الحظ وتذكّر الداعي صلة ما تربطك به من قريب أو بعيد. والحمد لله أن هذا هو ماحدث وكنا من تلك الفئة المحظوظة فدعينا لحضور فرح أحد الأقرباء.
شعرت بالابتهاج بمجرد وصول كارت الدعوة وفي الحال بدأت الاستعدادات والتحضيرات.. فقمت بحملة تسوقية واسعة استنفدت كل طاقتي خلال الأسابيع السابقة للمناسبة.. كما فرضت رجيما قاسيا على كل أفراد الأسرة لكي نبدو جميعا على أفضل صورة يوم الفرح. إلى أن أتى اليوم الموعود.
وقفنا في بهو الكنيسة المزين بالورود البيضاء ننتظر إقبال العروس. كم أحب هذه الايام.. الجميع في قمة التأنق والسعادة.. وها هي تقبل في جلال مرتدية ثوباً بسيطاً بديع التطريز يظهر جمالها. سلمها والدها للعريس الذي كان واقفا ينتظرها في ارتباك وشوق.. ثم وقفا كلاهما أمام القس الذي أخذ يتلو ايات الكتاب المقدس المتعلقة بالزواج والعلاقة بين الزوجين.
تذكرت يوم فرحي وشرد ذهني للحظات يقارن بين أفراحهم وأفراحنا. الهوة رهيبة بين الإثنين، فأفراحنا تعتمد في الأساس على الصخب والهيصة تماما مثل كل شئ آخر في ثقافتنا.. الصوت العالي هو السائد وكلما ارتفع الصوت ارتفعت معه درجة البهجة والحبور.
بالاضافة إلى هذا فهناك البذخ غير العادي الذي يميز أفراحنا والذي يضطر إليه حتى غير القادرين مجاراةً لمجتمع لا يعترف بغير المظاهر وينظر بنظرة دونية لذوي الامكانيات المحدودة. غير هذا وذاك فهناك عدم نظام غير طبيعي يسود كل مناحي حياتنا وينعكس بالتالي فى احتفالاتنا ومناسباتنا. زحام للدخول واندفاع للخروج، أحاديث جانبية وسلامات أثناء المراسم، أطفال تجري هنا وهناك تفسد الزينة وتعبث بالديكور.
أما ما أثار إعجابي بالفعل فحين علمت أن أهل العروسين أتوا خصيصا من مصر وأمريكا لحضور الفرح تماما مثل باقي الحضور.. وأن كل المجهودات والإعدادات اللازمة للفرح قام بها العروسان بأنفسهم دون الاعتماد على أحد.. شئ رائع يدعو للفخر ويدل على نضج وقدرة على تحمل المسؤولية الشئ الذي يؤهلهم بالفعل لبناء أسرة وصيانتها والحفاظ عليها من تقلبات الدهر وصروفه. العقبي للجميع!