6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس استثمار 100 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي تطوير أول حارس إنقاذ بالذكاء الاصطناعي في الأنهار

دولا أندراوس تكتب: موت عزيز

موت شخص عزيز هو فاجعة مريرة قد تكون من أسوأ الخبرات التي تمر بحياة إنسان. وبرغم أن المشاعر تختلف من شخص إلى آخر وبالرغم من اننا كلنا نختلف في درجة تقبل الرحيل والتأقلم مع الفقد، يظل موت الأعزاء مأساة قاسية تنطوي على الكثير من مشاعر الحزن والألم بالنسبة لأي إنسان. لكننا بالطبع لا نحزن على كل من يموت فإنه وبحسب إحصائيات نشرتها مواقع متخصصة في علم البيئة الحيوية، هناك ما يقرب من 55 مليون شخص يموتون سنويا أي ما يزيد عن 150 ألف شخص يوميا، وبالتأكيد فانه ليس من الطبيعي أن نحزن على كل من يرحل وإلا لاستمرت البشرية في حالة حداد منذ عهد آدم وحتى يومنا هذا. نحن نحزن فقط على القريبين الذين يوجع رحيلهم قلوبنا والذين يؤثر غيابهم على حياتنا بشكل مباشر وشخصي. لذلك يثير انتباهي ما ألاحظه من موجات الحزن المبالغ فيها التي تعتري الناس عند سماعهم بأخبار الحوادث الجماعية وبخاصة الحوادث الإرهابية. ففي أعقاب تلك المآسي المروعة، تنهال التعليقات الغاضبة وتمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالرموز الحزينة الباكية والمنشورات المتوعدة المنددة والتعليقات التي تعكس تعاطفا وجدانيا مبالغ فيه. مفهوم طبعا أن يشعر الانسان بالغضب والخوف والحزن حيال مصائب ومآسي الغير، ولكنني أشفق من أن تتحول هذه المشاعر إلى مجرد تعاطف مزيف وانفعالات نخدع بها أنفسنا ونخدر ضمائرنا فنكتفي بها ونعتبر التعبير عنها بديلا عن التعامل مع الموقف بعقلانية والبحث عن طرق عملية لتفاديه كي لا يتكرر مجددا في المستقبل. فعندما يسمع المرء أخبارا مؤلمة عادة ما تدفعه الغريزة إلى فعل شئ ما لكي يشعر بتحسن ولهذا فإن التعاطف والمشاركة الوجدانية ومشاطرة الأحزان تبدو كردود أفعال جيدة ومناسبة للحدث، ولكن من المهم أن نعي أن الحزن الوحيد المعتبر والمقدس في هذه الاحوال هو حزن المقربين المصابين في ذويهم وعوائلهم أما غير ذلك فمجرد رموز باكية على شاشات الكمبيوتر نخدر بها ضمائرنا إلى أن تحدث كارثة جديدة. إن المشاركة في الهم الانساني لا تكون بالانخراط في الغضب والنحيب، فالمشاعر -كنفضة الركبة- تلقائية وغير مدروسة وقد تدفعنا إلى التمادي في التحيز بدلا من النظر في الأدلة والحقائق بشكل موضوعي كما أنها ليست قادرة على توجيه السياسة العامة أو إيجاد حلول وآليات للتعامل مع هذا النوع من الحوادث. بوسعنا جميعا أن نشعر بالألم عند سماعنا للأخبار المفجعة ولكن علينا أن نخرج من حيز التعاطف السيبري الذي كاد أن يجمد انفعالاتنا ويحولنا إلى آلات صماء حتى أن هذه الأخبار لم تعد تؤثر فينا كما كانت تفعل في السابق فأصبحنا نتفاعل مع الكوارث بممارسة مجموعة من الطقوس البليدة يمكن حسابها وتوقعها جيدا. إنها ظاهرة الترويض والاعتياد والتبلد علينا أن نعيها وأن نتجنبها وأن نخرج منها إلى الواقع لتقديم ما نقدر عليه من الدعم الاجتماعي ووسائل التكيف إلى الذين نجوا من الصدمة بدلا من الاكتفاء بردود الفعل الجاهزة المعدة سابقا والمخدرة للضمائر.