دولا أندراوس تكتب: الأزمة دينية فكيف يكون الحل ديني
الحق أن التنديد لم يعد يكفي. والدعوات المدافعة عن الاسلام على كثرتها أصبحت محزنة ومثيرة للشفقة، طنطنة فارغة خالية من الهدف والمغزى بل لقد أصبحت مصدر خصومات وخلافات جديدة بين مدافع عن الاسلام متمسك برؤيته له على أنه دين رحمة وسلام، ومهاجم يحمل النص مسؤولية العنف ويراه منشأ الكراهية. وفي معظم الأحوال يخوض الفريقان صراعات خفية وحروباً كلامية إن لم تتطور إلى عنف فهي على الأقل تولد مزيداً من الحزازة والضغينة وتزيد الوضع تأزماً. أقول أن هذه التنظيرات التبريرية يجب أن تتوقف لأنها بالإضافة إلى مساهمتها في ازجاء العنف والطائفية، أصبحت بمثابة تراخيص مفتوحة للإرهاب ومسوغات لكي يبقى الحال على ما هو عليه.. حيث يستمر الارهابيون في ارتكاب أعمالهم الاجرامية مدعمة بسند من الحديث والسنة، ويستمر الشامتون في الانقضاض على النص ومحاولة وضعه في قفص الاتهام، ويستمر الغيورون على الاسلام في الدفاع عنه. ولاننا نبحث عن حل لأزمة دينية من خلال رؤية دينية، فسنظل نحصر أنفسنا في دائرة مفرغة من هجوم ودفاع ندور فيها بعد كل حدث ثم نتناساها إلى حين تبزغ كارثة جديدة. في هذا السلوك تجاهل للقضية الرئيسية التي هي ببساطة تجريم ومقاومة القتل على الهوية بغض النظر عن هذه الهوية، ووضع حد للجرائم الطائفية بغض النظر عن خلفياتها وتنويعاتها. وبعقد مقارنة بسيطة بين سلوكيات الشعوب المتحضرة وردود أفعالهم إزاء جرائم الكراهية والقتل على الهوية، في مقابل سلوكيات وردود أفعال شعوبنا العربية إزاء هذه الجرائم يمكننا أن نرى بوضوح التباين الرهيب في معالجة وتناول هذه النوعية من الحوادث. فبعد جرائم القتل التي يروح ضحيتها مسلمون وبعد أن تقوم الشرطة بالقبض الفوري على المتهمين تقوم بإصدار تصريح تعرب فيه عن تفهمها لمخاوف احتمال أن تكون هذه الجريمة قد ارتكبت بدافع الكراهية وفي الوقت نفسه تتم تغطية الحادث من الجرائد ووسائل الاعلام ويكتب كثير من المشاهير ينعون الضحايا على مواقع التواصل الاجتماعي كما تحتشد الجماهير بالآلاف في وقفات حداد بالشموع على أرواح الضحايا وتتم إدانة الجريمة من قبل جميع الأجهزة والأفراد. في الغرب يخشون العنصرية وينبذون الكراهية فيتحدون ضدها كلما لاح شبحها مهددا لأمن وسلامة مجتمعاتهم.. بينما نحن على الصعيد الآخر نرحب بالانقسام ونفرح بالمصائب التي تصيب الغير ونمارس الطائفية كما نتنفس ونكيل بمكيالين ونعمد إلى التبرير والتنظير والتخوين. فكيف يمكن أن تُحل المشاكل في بيئة كهذه.. وكيف لنا أن نواجه الارهاب إذا كنا نغذيه بأن نزيد الوضع تدهوراً وانحطاطاً أو على أفضل تقدير صمتا. لعل من الأجدى بنا أن نتساءل عن جدوى تلك المهاترات وأن نقف جميعنا صفاً واحداً في مواجهة الجريمة باعتبارها جريمة وحسب.. دون تصنيف ودون تبرير ودون تنظير ودون انتهازية. والحق اننا إن لم نفعل، فسنشهد جرائم تفوق التوقعات ولن تتوقف عند فئة بعينها بل سوف تطال الجميع بلا استثناء.