أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

دولا أندراوس تكتب: ثقافة الٳلغاء

عندما تهبط في مطار تورنتو قد تنسى لوهلة في أي بلد حللت إذ أنك سترى حولك مزيجاً عجيباً من ألوان وأجناس وأعراق يشي بالتكوين الأجتماعي المتنوع لهذه المدينة. فكندا على وجه العموم هي بلد هجرة منذ ٲواخر القرن التاسع عشر حين فتح الغرب الكندي أبوابه للمستوطنات الجماعية وأصبح موطنا لملايين المستوطنين المهاجرين الذين جاءوا يبحثون عن حياة جديدة إما سعياً لتحسين مستوى المعيشة أو بحثاً عن فرص إقتصادية أفضل أو هرباً من إضطهادات دينية أو عرقية في بلادهم وأصبحت لكندا سمعة عالمية بأنها بلد هجرة منفتح على الثقافات متقبل للتنوع والأختلاف. لذلك يصعب عليّ جداً إستيعاب فكرة أن يظهر شخص في المجال السياسي فجأة مقدماً نفسه إلى المجتمع الكندي على أنه المخلّص الذي جاء لينصر الأقليات المهمشة وليحرر المضطهدين من عنصرية المجتمعات البطريركية البيضاء. هكذا قدم جاستن ترودو نفسه إلى المجتمع الكندي ونجح في إقناع الشعب المتعطش إلى التغيير بانتخابه رئيساً لوزراء كندا. مع الأسف أنه على مدى أربع سنوات دأب على نشر أفكار ما بعد الحداثة وفكر اليسار التقدمي المتطرف في المجال العام. هذا الفكر الذي يسيس كل الأشياء من أفعال وأقوال وتقاليد وأعراف وأديان وأذواق وأمزجة ومشاعر ويسخرها كلها لخدمة اللعبة السياسية. هذا الفكر الذي يكمم الأفواه ويضع قيودا على حرية التعبير ويقنن المجال اللغوي ويفرض على الناس لغة معينة للتخاطب. هذا الفكر الذي يفرض قوانين الصوابية السياسية وسياسات الهوية التي تعمق الاحساس بالمظلومية وتزرع الكراهية بين فئات الشعب وتجعل البلاد ساحة للتناحر والتنافس على كأس الضحية. خدع ترودو الناس بدعوى مفتعلة ألا وهي القضاء على الظلم والأضطهاد والعنصرية -وكأنها مشكلة موجودة بالفعل- ولكنه في الواقع خلق تياراً قطبياً يتغذى على الإقصائية ويصم كل من لا يتفق معه بأنه عنصري كاره ويرمي الآخر بكل نقيصة ويتهمه بالإتهامات الحديثة الجاهزة القادرة على وصم السمعة وتدمير المستقبل كالنازية والعنصرية والهوموفوبيا والاسلاموفوبيا إلخ. من بين ما ٲثمر عنه هذا التيار الاقصائي ظاهرة أنتشرت في الفترة الأخيرة اسمها ثقافة الإلغاء وهي مقاطعة العامة لمشاهير الفنانين أو السياسيين الذين تصدر عنهم سلوكيات مستهجنة أو مدانة مجتمعياً أو أخلاقياً. حيث يقوم الناس بتعريض الشخص المسيء لحملات من التعيير والتشهير تنال من شهرته وجماهيريته وقد تتسبب له في أضرار على المستوى المهني أو الاجتماعي. هذا العٙرٙض الثقافي قد يبدو عادلاً للوهلة الأولي إذ ليس أحق من أن يتحمل المسيئون عاقبة أفعالهم وخاصة إذا كانوا ممن ينتمون إلى تلك الطبقة المتعالية التي تظن نفسها فوق الجميع، ولكن هل هذه هي الطريقة التي نريد أن نتعامل بها في مجتمعاتنا؟ أن تكون الآراء الشخصية والتقيم الشخصي هي المعايير التي نستخدمها في الحكم على الآخرين والمبرر الذي نبرر به إقصاءهم وترويعهم وارتكاب أعمال العنف ضدهم؟ ثم من الذي يملك السلطة الأخلاقية لتحديد أن إساءة ما قد صدرت بالفعل في حق فئة أو شخص معين إذا كان ما تراه أنت إساءة قد لا أراه أنا كذلك وخاصة ونحن نعيش في مجتمع يسود فيه التنوع العرقي وبالتالي التعدد الثقافي والقيمي؟ الطريف أنه في وسط هذه الأجواء المشحونة المليئة بتوتر زاده اقتراب موعد الأنتخابات الفيدرالية ظهرت لترودو صور وفيديوهات بدا فيها صابغاً وجهه ويديه بصبغة بنية غامقة أثناء حضوره لإحدى الحفلات في مدرسة خاصة كان يعمل بها في السابق، وهو فعل ينظر إليه في الغرب على أنه عنصرية ضد الملونين وٲصحاب البشرة الداكنة الأمر الذي كشف ادعاء محتضن العرب وحامي حمى الأقليات الملونة ووضعه في مأزق محرج وٲظهر نفاقه باعتباره يهزأ بمن ادّعى أنه يحتضنهم ويعمل لأجلهم. شخصياً لا أرى في هذا المسلك عنصرية وأؤيد حرية التعبير بكل صورها وٲشكالها فيما عدا ما يدخل في نطاق الجريمة وما يعاقب عليه القانون ولكني سعدت بأن أرى امبراطور سياسة المظلومية وثقافة الإلغاء يقع في الشرك الذي نصبه بنفسه ويتم شنقه بالحبل الذي شنق به كثيرين، الحبل الذي لا يترك مجالا للمجازفة أو لارتكاب الأخطاء، ولا يسمح بالتعثر أو بالنقاش، ولا يتيح عمل التسويات والوصول إلى حلول وسطى.. الحبل الذي يشنق ويقضي على كل سمة من سمات المجتمعات الحرة.