6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس استثمار 100 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي تطوير أول حارس إنقاذ بالذكاء الاصطناعي في الأنهار

دولا أندراوس: مجتمعاتنا المتدينة

الناس في مجتمعاتنا يخيفهم الصدق. يحسنون الظن بالمنافقين والمدعين في حين يجلدون الصادقين الواضحين المتسقين مع أنفسهم. يكافئون الخداع والتلون والتظاهر بمثاليات هي محض اختراعهم وينبذون من يرفضها أو يحيد عنها. يمتدحون عاهرة تتخفى في حجاب ويصلبون عاشقة أهدت بكارتها لحبيب. يمجدون مختلسي المال العام ويجعلون منهم شخصيات بارزة ومثالية في حين يصنفون الأمناء كلصوص وفاسدين. يقبلون أيدي الشيوخ ورجال الدين ويطيعونهم طاعة عمياء متعامين عن مدي انتهازية هؤلاء واستخدامهم للدين كوسيلة للتربح وبسط النفوذ. يغضون البصر عن خطايا الأغنياء وفحشهم ويفحصون بنظارة معظمة هفوات الفقراء وزلاتهم. الناس في مجتمعاتنا يهتمون بالمظهر دون الجوهر ويشجعون ثقافة النفاق مخترعين ثقافة أخلاقية جديدة تقلب مفاهيم القيم رأسا على عقب. فمفهوم الشرف مثلاً لم يعد متمثلاً في أن يقول المرء ما يفعل، وأن يفي بما يعد، وأن يجاهر بما يؤمن به، وأن يساند المستضعفين، وأن يحفظ الأمانة، وأن يكون على خلق، وأن يعف عن فعل الشر، بل انحصر في فكرة واحدة لا يتعداها ولا تخصه ألا وهي قدرته على ضبط سلوك نسائه. التدين أيضاً غابت عنه روحانياته ولم يعد ممثلاً في هذه العلاقة السامية التي تربط الانسان بخالقه والتي من شأنها أن تنير النفس وتطهر الروح وترقى بالسلوكيات، بل أصبح مشروعاً سياسياً ممولاً من جهات ومنظمات تسعى بشراسة لان تكون طرفاً في صراع لا نهاية له على السلطة وسدة الحكم. أصبح المتدين يفتقد ابسط مقومات الأخلاق الدينية وانحصر تدينه في المظهر الشكلي وانجرف وراء سلوكيات تعكس الكثير من أشكال العنف والكراهية، أو صار يتباهى بتفوقه الديني ويفاخر بممارسة الشعائر والطقوس الدينية ويكثر من الكلام عن العيب والحلال والحرام وكأن تشدقه بالأخلاقيات يعني بالضرورة امتلاكه لها. في مجتمعنا يسحبون منك الجرأة ويدربونك تدريجياً على الجبن والخنوع حتى تخضع طواعية لما هو سائد وتفقد القدرة على اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة حيال ما تعتنقه خاصة إذا كان مخالفاً لما يعتنقه المجموع. فتجد نفسك مدافعاً عن أمور لست مقتنعا بها تماماً بغرض تحقيق التوافق المجتمعي والشعور بالانتماء. حالة الهياج التي حدثت مؤخرا دفاعا عن الشيخ الشعراوي.. الشيخ الذي حرم نقل الأعضاء وأفتى بقتل تارك الصلاة وتسبب في افقار المصريين عندما حثهم على وضع أموالهم في شركات توظيف الأموال، الشيخ الذي سجد لله شكرا عند هزيمة 67, الشيخ الذي ساهم في توسيع الفجوة بين المسلمين والمسيحيين بنشره لافكار شديدة الخطورة مثل الأفكار التكفيرية وحلم عودة الخلافة والجهاد ضد المشركين وعظمة الدولة الدينية مقابل الدولة الكافرة. هذه الحالة الغوغائية التي انتابت العامة عندما قامت شخصية إعلامية بتوصيف أفكار الشيخ على أنها أفكار ارهابية، تقف وراءها وتحميها قوانين مثل قانون ازدراء الأديان وقانون إهانة الرموز من أجل اسكات الأصوات العاقلة وتحييد العقول القادرة على تفنيد ودراسة وتحليل ما تتلقاه. إذ يبدو أن الدولة ترفض تواجد مثل هذه النوعية من العقول وتحرص على التعامل معهم بطريقة قمعية وعلى إرهاب كل من يجرؤ على الخروج عن الخط المرسوم لتدعم الرباط اللصيق الذي خلقته بين الوطن والدين ليكون أي انتقاد لها هو هدم للدين وخيانة للوطن.