6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس استثمار 100 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي تطوير أول حارس إنقاذ بالذكاء الاصطناعي في الأنهار

دولا أندراوس: مسيرة الساقطات

    في يناير عام ٢٠١١ تعرضت إحدي الطالبات الجامعيات بجامعة يورك بتورنتو لإعتداء جنسي. وحدث أن علَّق ضابط الشرطة الذي كُلّف بالتحقيق في الواقعة قائلًا: على النساء أن يتجنبن ارتداء الملابس التي تظهرهن كالساقطات إذا أردن حماية أنفسهن من هذه الجرائم. قوبل تصريحه هذا برد فعل عنيف في كل الأوساط كان من نتيجته أن صدرت الأوامر بإحالته إلي التأديب كما تم إرساله لتلقي دورات تدريبية مكثفة حول دور الشرطة في حماية الشعب. وقد قام بعد ذلك بتقديم اعتذار رسمي أعرب فيه عن أسفه وتحرجه مما قال، ووعد بأنه خطأ لن يتكرر. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أنه في ابريل من نفس العام خرجت مسيرة مكونة من حوالي ثلاثة آلاف امرأة ترتدين الملابس الكاشفة، تحمل اسم مسيرة الساقطات وترفع شعارات تحض على احترام الأنثى ومساواتها مع الرجل وتنادي برفض الربط بين الجنس والجريمة الجنسية. من ضمن الشعارات التي رفعنها شعار يقول: أي شيء أرتديه ستراه قذرًا مادمت ترتدي عقلًا قذرًا. أما في مصر، وبعد واقعة تحرش مشابهة حدثت بمحيط كلية الحقوق جامعة القاهرة، خرج علينا رئيس الجامعة سيادة الدكتور جابر نصار معلقًا على الحادث بانتقاده لطريقة ملبس الفتاة غير اللائق مدعيًا أنها كانت ترتدي عباءة عند دخولها الجامعة ثم قامت بخلعها داخل الكلية لتظهر بملبس متبرج خارج عن العرف والتقاليد. وقال سيادته انه لن يسمح بدخول الجامعة بمظهر خارج عن المألوف، وأن المجازاة سوف تطال كل من تورط في الواقعة بمن فيهم الفتاة. يهمني هنا أن أذكر أن هذا التعليق المشين قوبل بمسايرة وتعضيد من المذيعة التي كانت بالمناسبة ترتدي ملابس ضيقة، وقد تعتبر هي نفسها متبرجة في نظر البعض. لا شك أن إنحياز العامة للرأي الذي يحاول تبرير الجريمة وتحميل الفتاة المتحَرَّش بها مسؤولية الحدث الذي وقعت ضحيته، هو كارثة في حد ذاته. فهو لا يعكس رغبة في ترييح الضمير وتخليص الذمة فحسب، وإنما يعكس تواطؤا شعبيًا مقلقاً لمحاولة طمر وإخفاء التشوهات التي يزخر بها مجتمعنا وحصرها في مظاهر شكلية وقشور بعيدة عن جوهر المأساة. والمأساة في مصر الآن هي أن الخلل لم يعد قاصراً على السلوكيات والأفكار بل إمتد ليشمل المعايير والمقاييس أيضاً. فلم يعد لدى المرء من مرجعيات ومصادر للتحقق من صواب مسلكه وتوجهاته من عدمه، سوى معلوماته وآرائه الشخصية. وكيف نتوقع لهذه الآراء أن تكون على مستوى ما من النضج والرقي والتحضر إن كانت هي نفسها قد تكونت نتيجة عوامل غاية في التخلف والضعف والإعتلال. فهي محصلة تعليم رديء مستمد من مؤسسات مهترئة متدنية المستوى مفرغة من المضمون، كما أنها خلاصة معتقدات وأيديولوجيات دينية تهيمن على المجتمع ككل وتقصُر التدين على المظاهر الشكلية وتكفر المختلفين، وهي أيضاً مجمل تراكمات من العقد والمشاكل التربوية والتوعوية على المستويين النفسي والأخلاقي. هذا طبعًا بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وما نجم عنهم من مشكلات فقر وبطالة وفوضى وغياب للعدالة. وبدلاً من أن تدفعنا حادثة كهذه إلى مواجهة أنفسنا ومحاولة إلقاء الضوء على الأزمات الحقيقية التي تسببت في حدوثها، ها نحن نختار الطريق الأسهل ونلقي بكل هذا العفن على كاهل فتاة مغلوبة على أمرها، كان كل ذنبها أنها أرادت أن تتجمل قليلاً. دعوني أستعير بعض ألفاظ المتأدبين (مدعي الأدب) وأقول أن العباءة الأخلاقية التي يرتديها العامة في مصر الآن ليست على مقاسهم. فهي تظهر أكثر مما تخفي، وتعري أكثر مما تغطي، وتفضح أكثر مما تستر. لأن المبالغة في إظهار شئ، عادة ما تعكس نقصاً فيه.. والذين يتشدقون ليل نهار بضرورة مراعاة الأخلاق والقيم والالتزام بحسن السلوك يكونون عادة رموزًا للانحلال والانفلات والتردي الأخلاقي. فيا أيها المنافقون قبل أن تتحدثوا عن عري الآخرين، فضلاً .. استروا عوراتكم.