دولا أندراوس تكتب : أسرى الأيديولوجية
بقلم: دولا أندراوس
نتحدث كثيرا عن ضرورة التنوع وتقبل الاختلاف والانفتاح على الآخر ولكن معظمنا يفشل عندما يجد نفسه في مواقف تضطره إلى التعامل مع المختلف. فينقلب فجأة من ذلك الشخص السمح الداعي إلى القبول والاستيعاب والدمج إلى شخص عنيف خوان ينادي بالإقصاء والعزل والنبذ. في رأيي أن هذا الفشل يرجع إلى كوننا قد تعرضنا منذ المنشأ إلى تيمة ربما تكون هي السبب في الخلل الذي يشوب تقييمنا للأمور ويدفعنا دائما إلى تقسيم العالم إلى قسمين. هذه التيمة هي ثنائية الخير والشر. فكل تصور وكل قيمة وكل شخص وكل سلوك نزنه بهذا الميزان ذي الكفتين. الله والشيطان، الطيب والخبيث، الصالح والطالح وأنا والآخر. ولأنه من الطبيعي أن ينظر كل إنسان إلى نفسه على أنه شخص طيب وخير ومثالي فهو بالتالي يقوم بتقييم من يختلف معه على أنه شرير وفاسد وسيء. فيضع في كفة الأخيار الصالحين كل من يتفق معه في حين يضع المختلفين في الكفة الأخرى.. كفة الأشرار الطالحين الظالمين. هذا التصنيف يبني حواجز التواصل بينه وبين الآخرين من قبل حتى أن يستهل الحوار ويؤدي إلى نشوب الخلافات والنزاعات والتناحرات بمجرد التفوه بكلمة أو عبارة تشي بهذا الاختلاف. الحقيقة هي اننا كلنا أسرى شبكة ايديولوجيات خلقناها بأنفسنا ثم وقعنا في حبائلها. أقول كلنا أي أنني لا أستثني أحدا. فكل البشر واقعين في أسر الأيديولوجية باعتبار أن كل موقف يتخذه الإنسان في الحياة مدعوم بمجموعة من المعارف والمعتقدات والقناعات التي يصدقها و يؤمن بصحتها. ومن هنا كانت علاقتنا مع هذا الفخ الأيديولوجي هي علاقة اختيارية فيها الكثير من التراضي لانك لو لم تقتنع بأفكار معينة لما تبنيتها. ما يميز الناس عن بعضها هي درجة تماهيمهم مع هذا الفخ الفكري فالإنسان الواعي يكون واعيا بموقعه في هذه الشبكة وواعيا بالأسباب التي دعته للوقوف في هذا المكان منها ويملك من المرونة ما يجعله مستعدا لتغيير موقفه هذا متى تكشفت له حقائق جديدة أما غير الواعي فيتوحد تماما مع أيديولوجياته ويرفض تغييرها بتعنت شديد قد يصل في بعض الأحيان إلى درجة ارتكاب أفعال تتسم بالعنف حيال المختلفين معه لخوفه من أن يتسبب هذا الاختلاف في زعزعة معتقداته. قدرتك على استيعاب هذه الفكرة ويقينك بأن كل انسان لديه ما يقوله وما يقدمه وما يفيدك به بغض النظر عن مدى التباين بين قناعاتكما هذا يساعدك على تقبل كل الآراء والاختيارات ووجهات النظر المختلفة عنك حتى وإن لم تعتنقها. أقول هذا لأننا اصبحنا نعاني من القطبية الشديدة في التعامل مع كل القضايا وأصبح هناك تطرف كامن تحت السطح في أغلب العلاقات لن نستطيع أن نقضي عليه أو نتجاوزه بغير الإيمان الصادق بحق الآخر في الاختلاف وزيادة المعرفة وانفتاح الفكر وجعل المجتمع سوقا حرة للافكار.