ابرام مقار يكتب: العالم الأفتراضي يُصلح واقع التحرش المؤسف
في العقدين الأخيرين من القرن العشرين ومع عودة أفواج من العاملين بدول الخليج بأفكار تلك الدول وتصاعد نمو جماعة الإخوان والحركات الإسلامية في الشارع المصري علي يد السادات، بدأت ظاهرة التحرش تنمو بالتوازي وجنباً إلي جنب مع إنتشار الحجاب والدعاوي لتغطية المرأة، وبدأت بالتحرش اللفظي بالفتيات والسيدات بعبارات بدأت بالأعجاب ثم بعبارات جنسية وكان يطلق عليها وقتها "المعاكسات"، وظل هذا الملف مغلق بفعل عدم وجود قوانين رادعة وخوف الفتيات من الأبلاغ أو التحدث فيه، لنستيقظ هذه الأيام عبر مواقع التواصل علي كارثة، وهي أن الأمر تجاوز النظر إلى المرأة من كائن حي إلي أنها جسد مستباح ، تجاوز الأمر من التحرش إلي الإعتداء الجنسي ، من الأعجاب إلي القهر ، بل وتجاوز الأمر من التحرش اللفظي بألفاظ خارجة إلي تحدث فتيات عن شباب يخلعون ملابسهم أمامهم بالشوراع وإظهار أعضائهم الجنسية، بل منهم من يمارس العادة السرية أمام الفتاة. لنصبح أمام مجتمع مرعب للعيش، ولهذا بحسب تقرير لمؤسسة "تومسون رويترز" فأن مصر أسوأ بلد في العالم العربي يمكن للمرأة أن تعيش فيه، وبحسب تقارير الأمم المتحدة فأن 99.3 بالمائة من سيدات مصر تعرضن التحرش، وهي نسبة غير مسبوقة.
علي مدي خمس عقود يغزي شيوخ التطرف تبرير تلك الظاهرة البشعة بإلقاء اللوم علي الضحايا من الفتيات على ملابسهن، من الشعراوي مروراً بالحويني ويعقوب وصبري عبادة ومحمد خطاب وبرهامي والخماسي وأخيراً عبدالله رشدي، وسط حاجز صمت مجتمعي وسياسي. حتى كسرت مواقع التواصل الإجتماعي ذلك الصمت وبدأت دعاوي لمحاكمة هؤلاء ووضع تفسيراتهم الدينية تحت المجهر والنقد، بل وكشفهم وفضحهم والسخرية من طروحاتهم. تحول العالم الافتراضي ومواقع التواصل إلي رقيب أجبرهم على مراجعة فتواهم، وضبط ألفاظهم وكلماتهم بشأن المرأة ضحية التحرش، ليس هذا فقط بل جمع ذاك العالم الأفتراضي الكثيرين علي الإتحاد لمواجهة تلك الجريمة بحق المرأة، والتي خلقها الله جميلة ولهذا ينتقد ملابسها معتادي القبح. حراك وإتحاد مجتمعي ليس علي مستوي الأفراد فقط بل وعلى مستوى المؤسسات. ففي الرابع من هذا الشهر أصدرت دار الأفتاء المصرية بيانا بأن التحرش الجنسي حرامٌ شرعًا، ولا يصدر إلا عن ذوي الأهواء الدنيئة، التي تُسوِّل لهم التدنس بالشهوات بطريقة بهيمية وبلا ضابط عقلي أو إنساني وأن إلصاق جريمة التحرش بقصر التهمة على نوع الملابس هو تبرير واهم لا يصدر إلا عن ذوي النفوس المريضة، فالمسلم مأمورٌ بغضِّ البصر عن المحرمات في كل الأحوال. للتأكيد علي أن العالم الأفتراضي أصلح الواقع المؤسف والممتد منذ عقود بحق المصريات