جورج موسي يكتب : شهادة الوفاة تصدر ألآن !
بقلم: جورج موسي
في ذلك الصباح ، كانت حجرته كئيبة تحمل رائحة الموت ، النوافذ مغلقة، الضوء خافت، باب الحجرة مغلق وشعاع الشمس المشرقة لا يستطيع الاقتراب من الغرفة ربما خجلاً من هذه اللحظات التي فيها تغرب فيها شمس حياته، عقارب الساعة تصدر صوتاً حزيناً يمزق قلبه كشفرات هنبازين تمر على جسده المسجى على سرير بالي.
كل دقة من دقات الساعة تعلن عن أقتراب موعد رحيله عن تلك الحياة، بجوار سريره منضدة صغيرة عليها بعض الأدوية وجريدة تتصدر صفحتها الأولى أخبار لم يلتفت لها طوال حياته فهي لا تعنيه في شيء، ينظر إلى سقف الحجرة فيمر شريط حياته أمام عينيه كمحطات تقاسمت جميعها كلمة واحدة هي "الخوف" ولكنها تختلف في الحجم بتتابع محطات حياته، فكلما تقدم كلما كبر حجم تلك الكلمة.
وجد نفسه في طفولته يخاف أبيه وأمه وأساتذته وزملائه، ثم كبر فوجد نفسه يخشى أبيه وأمه وأساتذته وزملائه والعادات والتقاليد، يخشى الفشل، يخشى الحديث في السياسة وفي الدين وفي الحب وفي الجنس وفي الغيبيات، يخشى المغامرة، يخشى كلام الناس، يخشى القدر، والمرض، يخشى حذائه المقلوب على الأرض، يخشى عين الحسود ويخشى الفرح قبل الحزن، يخشى صمته ويخشى كلامه، يخشى الغرباء والأقربون.
وتزوج فأضاف خوفاً على خوفه حتى أصبح يخشى من كل شيء، ظل يكبر ويكبر ومخاوفه تكبر وتتعاظم حتى أصبح (يعيش ليخاف) شعر أن حياته ضاعت وهو يخاف وعلّم أولاده وزوجته الخوف من كل شيء وأي شيء فكانوا يخشون حتى الجدران، ألتفت على الجانب الآخر من السرير فوجد أبنه ينظر أليه ويبكي، فقال له، لماذا تبكي يا ولدي؟ أتظن أنني أرحل الآن؟! "يا ولدي عشت عمري كله خائفاً، فرحلت منذ سنيين ولكن شهادة وفاتي تصدر الآن!
وتبقي كلمة، سلاماً على من قال كلمته دون خوف، ثم مضى.