ابرام مقار يكتب: صمويل باتي وترويض النمرة
في رواية ترويض النمرة أو ترويض الشرسة، والتي كتبها شكسبير في أوائل القرن السابع عشر، والتي تتحدث عن تاجر ثري لديه ثلاث بنات إحداهم كاثرين، وقد عُرفت بـ "كاثرين الشرسة" لانفعالاتها وعنفها الشديد والتكسير والتخريب لكل ما يعترض طريقها كلما تقدم عريس لخطبتها، واضطر الأب إلى نشر إعلان في البلدة بأنه سيدفع مبلغاً كبيراً لمن تقبل كاثرين به زوجاً فسمع بذلك تاجر شاب غني وتقدم لخطبتها، وكالعادة ثارت كاثرين في وجهه، فثار هو أيضاً كالمجنون لكى تخاف وقام بحركات أخافتها وأرعبتها بالفعل، فدخل وقال لأبيها إن ابنتك الرقيقة قد قبلت بالزواج مني، وكاثرين مرعوبة أن تنطق، واستطاع الشاب تحويل كاثرين الشرسة إلى كاثرين المطيعة بحيله وتأديبه.
تذكرت تلك الرواية في السادس عشر من أكتوبر الماضي بعدما قام لاجئ شيشاني بفرنسا بقطع رقبة المُعلم "صمويل باتي" لعرضه صوراً كاريكاتورية لنبي الإسلام في درس عن حرية التعبير، الغريب في الأمر أن القاتل بحسب تحقيقات الشرطة عرف التشدد منذ عام فقط والذي يبدو أنه كان كافياً ليتحول فيه إلي أرهابي. وبالتأكيد أن فرنسا موطن العلمانية وأكبر دولة حاربت في التاريخ الإنساني من أجل حرية التعبير وفصل الدين عن الدولة، على مدى 116 عام، منذ 1789 وحتى 1905 في نضال مات فيه ملايين الفرنسيين، لن تقبل أن تكون رهينة للإسلام السياسي والمتطرفين الإسلاميين، ولا أعتقد أن فرنسي اليوم سيتخلى عن مكتسباته وحريته بسبب متطرف موتور يرفض الانصياع لتلك المبادئ.
حتي علي المستوي الرسمي بدأ الحديث عن التشدد الإسلامي يعود في خطابات الوسائل الإعلامية والرسمية، وسط تعهد بترويض تلك الشرسة وتفعيل القانون، حتى أن معارض فرنسي بارز قال لماكرون، "هذا وقت السلاح والقانون لا وقت الكلمات". وكذلك الأحزاب اليسارية الفرنسية والتي كانت في حالة تضامن مع هؤلاء، أُضطرت لتأييد دعوات لقوانين وتشريعات تحد من ذلك الإرهاب. ولأول مرة تجتمع كل الأطراف السياسية والحزبية والأهلية بمختلف توجهاتها السياسية والفكرية علي إدانة عملية إرهابية وإجماع على توجيه أصابع الاتهام لجماعات الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة، ومطالب جماعية باقتلاعها من جذورها عن طريق منع تلك المنظمات ومن خلفهم من جمعيات أهلية، من التمويلات التي تمول نشاطها.
الغد في أوربا عموماً وفي فرنسا خاصةً، سيجلب معه قوانين وتشريعات ضد الأرهاب، وتجفيف المنابع المالية لتلك المنظمات والجمعيات التي خلفها، وشارلي ابدو -والتي تتهكم على كل الأديان عامة- نشرت الصور مرة أخري، والكثيرين ممن شاركوا في تأبين "صمويل باتي" قاموا بتوزيع تلك الصور علي الحضور، كل هذا لسبب واحد فقط وهو ترويض النمرة حتى تقبل العلمانية وحرية التعبير وأن الفكرة ليست مقدسة، بل المقدس هو الأنسان وحريته وكرامته، وهذا هو سر تقدم الغرب.