جورج موسي يكتب : ”نيكولاي تشاوتشيسكو” ديكتاتور الأستعراضات الشهير !
بقلم: جورج موسي
بدأ "نيكولاي تشاوتشيسكو" ديكتاتور رومانيا الشهير حكمه كبطل شعبي و تبلورت بطولته في التصدي للسوفييت حين هاجموا تشيكو سلوفاكيا و ساندته أغلب الدول في موقفه المناهض للروس مما دعم صورته في الداخل والخارج كبطل شعبي له مشروع وطني و بدأ معه فصلاً جديداً في تاريخ رومانيا الحديث لعبت فيه رومانيا دوراً ملحوظاً علي الساحة الدولية أي أنه صنع تاريخاً لبلاده ولا يمكن أن ننكر ذلك ، وللحق أن الرجل في بداية حكمه قاد نقلة نوعية للصناعة في البلاد و بدأت رومانيا تعيش فترة أفضل نسيياً بعد أن كانت متأخرة نوعاً ما بين بلدان أوربا وتستطيع القول أن بداية حكمه كانت لا بأس بها ولكن بعد فترة ليست بالطويلة من تلك السياسة المقبولة نسبياً تغيرت الأمور وسار "تشاوتشيسكو" أكثر وحشية وقمعية و تم التضييق بشكل غير مسبوق علي الحريات و لم يتسامح مع أي رأي معارض وكانت الشرطة السرية آنذاك تقوم بأعتقال من تسول له نفسه بالأعتراض أو حتي الأمتعاض !
أبتكر "تشاوتشيسكو" طريقة للتواصل مع الشعب الروماني وأرسال الرسائل للمواطنين كل فترة عن طريق الأستعراضات السياسية التي تمجده و تمجد حزبه وتؤكد زعامته وتفرده مستخدماً المواطنين وعمال المصانع كراقصين في هذه الأستعراضات وتستطيع أن تقول أنها كانت أستعراضات أجبارية والمشاركة فيها كان يعتبر واجباً وطنياً ومن يتخلف عن الحضور والمشاركة في الأستعراض يتعرض للتنكيل والفصل من العمل وربما السجن مما نشر الخوف والرهبة في القلوب فتسابق الكثير من الصحفيين والأعلاميين و الشعراء و المثقفين المتلونين في مدحة ووصلت المغالاة عند بعضهم أنهم أختصروا رومانيا في شخصه حتي قال له شاعراً ذات يوم أن وجوده بحد ذاته أعجوبة للأنسان !!! وبالقطع وصلت المغالاة لزوجته أيضاً فلابد أن تأخذ نصيبها من المدح المبالغ فيه لحد الجنون فوصل الأمر أنه كان لابد أن يسبق أسم زوجته لقب العالمة ذات الشهرة العالمية "ألينا تشاوتشيسكو" إذ أنتشرت أكذوبة أنها عالمة كيميائية عالمية فذة !!! وياللعار حينما تسمع الآن أحد الأعلاميين أو المثقفين أو الشعراء الذين أعتادوا المغالاة في مدح الديكتاتور وزوجته اليوم يبرر ما كان يفعله بأنه كان يراه رمزاً رومانيا تصدي للسيطرة السوفيتية أو أنه تملق "ألينا" حتي تقدم الدعم للثقافة والمثقفين في رومانيا وليس لأنه خائف أو طامع في منصب أو مال ولا تستطيع سوي أن تشمئز من تلك الأجابة في كلتا الحالتين!!
كانت سياسة "تشاوتشيسكو" تعتمد بشكل أساسي علي الشو الأعلامي ، فعلي الرغم مما كانت تعانيه رومانيا من فقر شديد كان يحاول تنفيذ مشروعات باهظة من أجل الشو وبينما كان يتباري الأعلام الردئ في الحديث عن تحسن الأقتصاد الروماني و أنطلاقه نحو المستقبل والمفاخرة بأرقام كاذبة أبعد ما تكون عن الواقع الذي كان يعيشه شعبه ، كان المواطنين لا يجدوا الحاجات الأساسية في المتاجر !! وأرتفعت الديون الخارجية بشكل غير مسبوق فلجأ إلي تصدير أغلب أنتاج المحاصيل الزراعية إلي الخارج حتي يسد جزء من تلك الديون الخارجية فترك شعبه لا يجد تلك المحاصيل الأساسية بالنسبه له ! وبينما كان يبني لنفسه أضخم قصر في العالم كان يطالب الشعب بالتحمل والتقشف حتي يبني رومانيا الحديثة مخترعاً فكرة أنه يقود (حرباً ) ضد العولمة التي هي شكل آخر للأمبريالية التي تريد أن تسيطر علي الشعوب مصوراً نفسه بطلاً يقف مناضلاً من أجل الأنسانية !! ورغم التردي الشديد في الأوضاع الأقتصادية بدأ "تشاوتشيسكو" العمل في بناء( المركز الجديد للعاصمة بوخارست) وبناء أكبر مسرح في البلاد من أجل أستعراضاته العبقرية ! وفي سبيل بناء مركز العاصمة الجديد قام بهدم ونقل مباني أثرية لها مكانها في تاريخ البلاد وبينما يبني أعظم القصور له هدم مباني البسطاء ونقلهم إلي أماكن للعيش لا تليق بهم ! وكانت النهاية الحتمية عزيزي القارئ لذلك الديكتاتور الذي تجاهل أنين شعبه وقمع كل صوت حر وأستمع فقط لنفاق المنافقين معتقداً أن الأمر أستتب له للأبد ونسي أن الشعوب تصبر ولا تموت ، فبينما يلقي خطابه الأخير جاءت لحظة الخقيقة فقد ثار الشعب الواقف أمامه الذي يعد يحتمل الكذب والفقر و المعاناة فهرب " تشاوتشيسكو" وزوجته في مروحيته الهليكوبتر من الجماهير الغاضبة ولم يستغرق الأمر سوي ساعات فقبض عليه و تمت محاكمته هو وزوجته محاكمة صورية لم تستغرق سوي ساعة واحدة و تم تنقيذ حكم الأعدام فيه وفي زوجته رمياً بالرصاص وشاهد الملايين تنفيذ الحكم علي شاشات التليفزيون يوم عيد الميلاد في الخامس والعشرين من ديسمبر علم 1989. وهكذا رحل " تشاوتشيسكو" الرجل الذي حكم رومانيا بالحديد والنار وأستمرت فترة حكمه منذ عام 1967 إلي نهاية عام 1989.