A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

دولا أندراوس تكتب: مثالية الحلم الثوري

لا شك أننا نعيش واقعاً سياسياً مضطرباً منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة.. وهذا ليس بغريب. إنما هي حالة تاريخية عادية ومألوفة تلازم كل الثورات الشعبية التي تقوم من أجل استرداد الحقوق الإنسانية التي تنتهكها الأنظمة التسلطية. فطبيعة الثورات هي أنها تتسبب في خلخلة وازاحة حقائق ويقينيات وأعراف وتقاليد وأنماط وممارسات رسخت في المجتمع لعقود طويلة، وربما كانت من ضمن العوامل التي تسببت بشكل مباشر أو غير مباشر في تراجعه وتدهور أحواله. هذه الخلخلة أو مرحلة تقليب التربة وتنقيبها وإن كانت صحية ولازمة لتنقية الطيب من الخبيث ولٳنعاش الأجواء من جديد وتسوية القضايا العالقة في المجتمع، إلا إنها قد تنتج حالة من الفوضى المرحلية قبل أن يستقر الوضع وتتحقق الأهداف الثورية بصورة كاملة.

من المؤسف أن كثيرين يعجزون عن إستيعاب فكرة أن الثورات عموماً لا تؤدي إلى الديمقراطية بشكل مباشر ولكنها تمر بمرحلة تمهيدية قد تصل إلى عشرات السنوات قبل أن يستقر الوضع بشكل نهائي. وفيما هم ينظرون تحت ٲقدامهم ويركزون أبصارهم على ما يسود المرحلة من إضطرابات وتوترات٬ يحنقون وييأسون من إصلاح الأحوال.

أبرز هؤلاء هم فئة المتقوقعين الذين كانوا يعيشون فيما مضى داخل فقاقيع إستقرار وهمية تهيء لهم أن عدم اشتراكهم في الصراعات الدائرة حولهم كفيل بحمايتهم من المخاطر٬ وان كل شئ يسير على ما يرام طالما لم يحدث ما يعوق ممارساتهم الحياتية اليومية. ومن هؤلاء أيضا فئة الثوار الذين يتعجلون الانجازات٬ ويتصورون أن إنهيار النظام الفاسد يضمن بشكل ميكانيكي وتلقائي نجاح الثورة وتحقق مطالبها٬ ويظنون أن حالة الفشل والفوضى ترجع إلى هؤلاء الذين خانوا الثورة وخذلوا مبادئها .. فيناصبونهم العداء و يكيلون لهم إتهامات التخوين والعمالة والتفريط في في حق الدم وتضحيات الشهداء. وغير هؤلاء وأولئك هناك فئة المنتفعين الذين يحرصون على إستمرار هذا الوضع الفوضوي إما أملاً في تحقيق مصالح شخصية أو سعياً لإستعادة أدوارهم في المشهد السياسي العام من جديد والتي فقدوها بعد إحدى الثورتين بسبب انتمائهم للعهد المباركي أو لجماعة الاخوان المسلمين.

وبغض النظر عن مشاعر تلك الفئات تجاه بعضها إلا أن هناك شبه إجماع غير معلن على شئ واحد، ألا وهو أن مصر تواجه تحديات شديدة الخطورة في المرحلة الراهنة منها على سبيل المثال تهديد منظمة داعش الإرهابية للأمن القومي وتلويحهم بإشعال الحرب في سيناء، ومنها خطر استمرار إرهاب الإخوان المسلمين في الداخل ومحاولاتهم المستمرة للتخريب والترهيب٬ ومنها الوضع المتردي للملف الاقتصادي وتحديات بناء استراتيجيات داخلية للتنمية وعمل مشروعات إقتصادية منتجة على المدى القصير٬ ومنها النظرة العالمية للوضع السياسي في مصر ومحاولة رسم سياسات واعية وفعالة على المستويين الإقليمي والدولي. كل هذه المخاطر وغيرها تقتضي وجود رؤية واعية مستنيرة يشترك فيها الجميع قيادةً وشعبًا من أجل الخروج بالبلد من مرحلة الفوضى الحالية إلى مرحلة آمنة مستقرة متجاوزة لكل تلك الصراعات والتناحرات.

وبينما الوضع على هذه الدرجة من الحساسية والحرج، نجد الحماسة الثورية تأخذ بعض التيارات الشبابية المنتسبة للثورة فيؤلون على أنفسهم تحدي النظام ومناصبة الحكومة العداء. وإن كان هذا حقهم الذي لا ينكره عليهم أحد، وإن كان الاختلاف مع الدولة والانتماء لصفوف المعارضة هو موقف في جوهر الوطنية بإعتباره إعلاء للمفهوم التنافسي في التركيبة السياسية بدونه لا تكون هناك رقابة على السلطة الحاكمة وما يصدر عنها من تجاوزات، إلا أن علي هؤلاء أن يحاذروا لئلا تبتلع مثالية الحلم الثوري واقعنا الشديد الهشاشة.. وليفحصوا ضمائرهم جيداً لئلا يكونوا من الذين أدمنوا الفوضى واستمرأوا المعارضة لمجرد المعارضة٬ أو من الذين يجدون قيمتهم في إحتقار الآخرين والحط من شأنهم٬ أو من الذين يسعون لإثارة الفوضى ليصنعوا لهم إسماً على حساب أمن الوطن وسلامته. فإن  الثوري الحق يحرص على أن يكون له دور في معارضة وطنية منظمة تبدي المصلحة العليا للبلاد عوضاً عن معارضة سطحية مهزوزة متشنجة تضر السلام والأمن الاجتماعي.