جورج موسي يكتب: يوم الرئيس الأخير!
كالمعتاد أستيقظ في الصباح الباكر في الخامسة صباحاً، جلس علي سريره لبضع دقائق مبتسماً ثم شرد ذهنه للحظات، مر أمام ناظريه قطار العمر و أحداثه ولمعت عيناه وهو يتذكر بعض قراراته المصيرية في السنوات الثمانية المنصرمة خلال فترتي خدمته كرئيساً للجمهورية، دمعت عيناه وهو يتذكر دعوات أم وفر الدواء بالمجان لطفلها المريض، وخطاب شكر لأب زرع الأطباء كلية لنجله بالمجان في مستشفى حكومي، ودموع شابة يتيمة الأبوين وهي تتزوج بينما تتحمل الدولة زواجها مثل ملايين الشابات والشباب مثلها بفضل برنامج لتزويج الفتيات والشباب الغير قادرين!
تذكر دموع الملايين حزناً على رحيله مع اقتراب مدتي رئاسته من النهاية! كان يعلم أنها دموع حقيقية لا تحتمل المجاملة ولا النفاق لأنه كان دوماً يستقي معلوماته من الناس لا من الساسة والاعلام! كان يسمع من الناس لا عن الناس! أحبهم وأحبوه وأقترب منهم فاقتربوا إليه، جفف دموعه بنفس راضية وقام من على سريره ليصلى، سجد لله سجدة شكر طالت لدقائق ودموعه تسيل على خديه في شعور اختلط فيه السعادة بالرضا بالعتق من الحمل الثقيل! أنهي صلاته ونهض ليمسك بيد زوجته وهو يبتسم لها قائلاً: اليوم نعود للحياة التي حُرمنا منها لسنوات!
ابتسمت راضية وسعيدة وهي تقول كم انتظرت هذا اليوم! تناول طعام الفطور مع زوجته ثم ودعها ليذهب إلي مكتبه لآخر مرة، ما أن وصل حتى وجد استقبالا حافلاً بالدموع والورود من العاملين بقصر الرئاسة! كان يعرف كل واحد منهم باسمه ويعرف عن أحوالهم الشيء الكثير! أحتضن كل واحد وهو يودعه بابتسامة عريضة على وجهه!
دخل مكتبه ليعمل كأنه يوم عادي جداً بالنسبة له! أنهي عمله في الرابعة مساء وأرتدى ملابسه وخرج من المكتب، كانت زوجته تنتظره بسيارتهما القديمة، كانت السيارة بسيطة ولكنها تحمل الكثير من الذكريات! اليوم يترك سيارات الرئاسة وحراسات الرئاسة و ومكاتب الرئاسة و قيود الرئاسة، كان من المفترض أن يعود لمنزله بسيارات الرئاسة وبموكب الرئاسة ولكنه قرر أن يعود بسيارته الشخصية القديمة!
قاد السيارة وبجواره زوجته وخلفهما حارساً شخصياً واحداً لم يرد غيره رغم أنه كرئيس سابق يحق له طقم حراسة كامل! ذهب إلى وسط البلد ونزل وزوجته وحارسه من السيارة فألتف حوله الناس فقابلهم وزوجته بترحاب شديد ومودة كبيرة! كانت الدموع تنهمر من العيون وهي تتحدث معه ومع زوجته عن محبتهم الكبيرة لهم! سار في الشوارع ويده في يد زوجته، جلس مع زوجته لتناول الغذاء في أحد المطاعم وسط الناس دون تكلف! وسط الميدان وجد علم بلده الذي يزين الميدان فوقف ينظر إليه وقد غلبته الدموع وهو يراه يرفرف في الهواء فرحاً وكأنه سعيد بوجوده في الميدان وبينما يقف وزوجته هكذا ابتدأ الناس يلتفون حوله كدائرة مكتملة ينشدون النشيد الوطني بكل حماس وهم سعداء لوجود رجل قدم لوطنه وناسه الكثير وترك المنصب في هدوء سعيداً راضياً بما قدمه لشعبه!
ركب سيارته مع زوجته وحارسه بينما يودعه العامة في الشوارع بابتسامة جميلة تزين وجوههم! في الطريق قال له حارسه الشخصي كم كنت أتمنى كغيري أن تظل رئيساً لهذه البلاد يا سيدي! أوقف الرئيس السابق السيارة ونظر لحارسه وحدق في عينيه بنظرة ذات معني وقال له؛ أتعلم لو كنت سمعت لك ولغيرك وقررت الاستمرار! كان سيأتي يومًا وأنت بنفسك تلقي القبض عليّ وهؤلاء الناس كانوا سيلقون عليّ الحجارة!