جورج موسي يكتب: معذرة يا صحبتي!
معذرة يا صحبتي
لم تثمر الأشجار هذا العام
فجئتكم بأردأ الطعام
و لست باخلاً, و إنما فقيرةٌ خزائني
مقفرةٌ حقول حنطتي
معذرة يا صحبتي, فالضوء خافت شحيح
و الشمعة الوحيدة التي وجدتها بجيب معطفي
أشعلتها لكم
لكنها قديمة معروقة
لهيبها دموع
معذرة يا صحبتي, قلبي حزين
من أين آتي بالكلام الفرِح!
هذه الأبيات نسجها الشاعر والكاتب المسرحي المصري وأحد رواد حركة الشهر الحر في العالم العربي الأستاذ المبدع "صلاح عبد الصبور" المولود في مدينة الزقازيق المصرية في الثالث من مايو عام 1931 والذي يتصادف مرور تسعون عاماً علي مولده في الثالث من شهر مايو الماضي ! هذه الابيات التي بدأت بها المقال ، وضعتها ليس فقط لنتذكر جميعاً ذكري مولد قامة أدبية وشعرية مصرية رفيعة كصلاح عبد الصبور ولكن أيضاً كمثال علي الفن الحقيقي الذي يعيش ولا يموت ! ولا أعلم لماذا يذهب عقلي للمقارنات كلما قرأت قصيدة أو رواية أو كلما شاهدت عملاً سينمائياً أو درامياً لأحد العظماء الراحلين ؟! أعذرني عزيزي القارئ ، فأنا أجد نفسي تبكي علي الماضي ! أجد عقلي يقارن في حزن مقيت بين ماضي مجيد وحاضر مشوه ! شتان بين أبداع الماضي وتفاهة الحاضر ! بين عظماء الماضي ومن يطلق عليهم (عظماء) أو نمبر وان الحاضر ، بين الزمن الجميل وبين الزمن الردئ ! عزيزي القارئ كم مرة شعرت أنا وشعرت أنت أن الأشجار لم تثمر هذا العام وربما لم تثمر منذ أعوام ؟! كم مرة شعرت أنا وشعرت أنت بأن الضوء خافت شحيح وأن المتاح لنا هو أردأ الطعام ولكنهم يقدموه لنا علي أنه أطيب طعام وربما يتوهمون أيضاً أنهم قادرين علي أقناعنا بأنه طعام الخمس نجوم !!!! عزيزي القارئ ، كم مرة قارنت أنا وقارنت أنت بين أدب وأنتاج وأبداع صلاح عبد الصبور و العقاد وطه حسين و نجيب محفوظ و السباعي و ثروت أباظة و أحسان عبد القدوس وبين أدب و أنتاج (………) لا تعجب عزيزي القارئ لهذه النقاط ! أعذرني فلم أجد ولو أسماً واحداً أضعه في المقال لأديب في حاضرنا يقدم شيئاً ولو تافهاً حتي ولو لمقارنة غير متكافئة بل وغير مستحبة أيضاً ! عزيزي القارئ ، كم مرة تذكرت أنا وتذكرت أنت يوسف وهبي و زكي رستم و محمود المليجي وزكي طليمات وعبد الوارث عسر و عمر الشريف و أحمد زكي و نور الشريف وفاتن حمامة و فردوس محمد و ماري منيب و سميرة أحمد و نادية لطفي وغيرهم وغيرهن وأنت تري مسلسلات رمضان في العام الحالي وتباهي نمبر وان المستفز ؟! عزيزي القارئ ، ألا تشعر أن مصر التي قدمت أصوات كصوت أم كلثوم و حليم وشادية و نجاة وعبد الوهاب لا يجب أن يكون الترند فيها لحمو بيكا وشاكوش ؟! ويبقي السؤال هل حقاً لم تعد تثمر الأشجار وأن الضوء أصبح خافتاً شحيحاً ؟! أم أن الأشجار مازالت تثمر ثمراً طيباً ولكن لا أحد يراه لأنهم أرادوا للضوء أن يكون خافتاً شحيحاً فلا نستطيع أن نبصر جيداً فيلتقطوا الثمر الردئ وما أكثره ويقدموه لنا كأفضل الطعام ؟! عزيزي القارئ لا تعجب أنني لازلت أؤمن أن مصر بلد الموهبة وبلد الفنون وبلد الأدب ! مصر بلد حباها الله بقوة ناعمة قلما تجد لها نظير ! عزيزي القارئ ، مصر التي في خاطرك وفي خاطري وفي خاطر الكثيرين لازالت قادرة علي أنجاب المواهب وعلي أنتاج الثمر الطيب ولكنه متواري و مختفي ومحجوب و ولا يظهر لأن البعض أراد للضوء أن يكون خافتاً شحيحاً علي الثمر الجيد و ساطعاً براقاً علي الثمر الردئ ! ويا بخت أللي كان جوزها المخرج !!!
أخيراً تحية لروح المبدع الكبير وأحد رواد الشعر الحر الأستاذ الكبير "صلاح عبد الصبور".
[caption id="attachment_6880" align="aligncenter" width="300"] الشاعر صلاح عبد الصبور[/caption]