دولا اندراوس تكتب: الاسلام واليسار وثقافة الصحوة
يثير التحالف القائم بين الكيانات الاسلامية واحزاب اليسار الليبرالي في الدول الغربية تساؤلات عدة، يدور معظمها حول ما إذا كان ذلك التحالف ناجماً عن جهل الدول الغربية بالأجندة الاسلاموية أم عن تواطؤ وتآمر.
إذ أنه من الصعب تصور أن الغرب برغم كل المساعي التي بذلها لفهم ودراسة وتحليل الدين والهوية والقيم التي قامت عليها الثقافات العربية الاسلامية وبرغم الحراك الاستشراقي الذي بدأ منذ القرن التاسع عشر والذي إلى الآن يخوض عميقا في تشريح هذه البقعة من الكرة الأرضية ما زال عاجزاً عن وضع تصور دقيق للايديولوجية الاسلامية التي على أولويات اجندتها السعي لاستعادة دولة الخلافة والهيمنة العالمية. فهل هي الغطرسة الغربية التي تستمر في الاستهانة بالشرق والتعامل معه بسطحية بوصفه موضوعا متخلفاً لا بوصفه كياناً متحركاً قابلاً للنمو والتمدد والسيطرة، أم هو سعي للتفوق وامتلاك القوة وتحالف المصالح بين احزاب اليسار الليبرالي وكيانات الاسلام السياسي المؤدلجة.
في الجهة الاسلامية يراود الحلم باستعادة دولة الخلافة الكثير من المسلمين -لا يقتصر الأمر على المتطرفين فحسب- وذلك منذ أنشأ حسن البنا تنظيم الاخوان المسلمين في 1928 مستنهضاً همم اتباعه للعمل على بناء دولة تسود العالم وتحكم بحسب الشريعة الاسلامية، لكن الأمل في الوصول إلى هذه الغاية عن طريق الجماعات الجهادية خبا عند القطاع الأكبر من المسلمين بسبب ما فجعوا به من ممارسات عنفية لداعش وبعض الجماعات الجهادية الاخرى فانصرفوا عنها واضعين آمالهم على الجماعات الدعوية وخاصة تلك التي ركزت نشاطها فيالغرب.
والدعوة بالنسبة للغرب هي مفهوم مساو للتبشير، لكنها ليست كذلك بالنسبة لقيادات الجماعات الدعوية أنفسهم فهي بالنسبة لهم منظومة شاملة تتضمن طرق تمويل وعلاقات دولية وعمل سياسي وبرامج هجرة وجهاد أرحام بالاضافة إلى جهاد خارجي لأسلمة غير المسلمين وجهاد داخلي لغسيل أدمغة المعتدلين من المسلمين لحضهم على اعتناق توجه إسلامي للحياة. وبينما يركز الغرب معركته مع الجهاديين، يتعامل مع الجماعات الدعوية باعتبارها خياراً سلمياً متاحاً لمواطنيه من المسلمين دون أن يدري أنها في حقيقة الأمر حاضنة للافكارالمتطرفة ومنتجة للحركات الارهابية، ويجهل أنه بدعمه لها انما يساهم في تمكين الاسلام الراديكالي في نهاية المطاف.
ما أريد أن أقوله هو أنه إن لم تجد هذا الموجة اليسارية الاسلاموية جبهة قوية مستنيرة تتصدى لها وتشارك بفعالية في الحياة السياسية في الدول الغربية، فستجد فئات كثيرة -من بينها المسلمين المستنيرين أنفسهم- أنها معزولة ومضطهدة داخل وخارج الشرق الأوسط على حد سواء.