The Fine Line Between Democracy and Social Disorder البابا تواضروس بعد ١٢ عام من رئاسته للكنيسة 6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس

جورج موسي يكتب: وجع المحروسة! حكاية طفل من أطفال ”الكفاتسة” !‎‎

عزيزي القارئ ربما لن تصدقني لو قلت لك أن فكرة الهجرة قد سيطرت على تفكيري منذ كنت صغيراً، كنت أنظر إلى وجودي في مصر على أنه وجوداً مرحلياً فقط! كنت أعلم أنني لن أتحمل استكمال حياتي في مجتمع هكذا لا يعترف بي كفرد متساوي الحقوق مع أقراني! 

منذ الصغر أدركت أنه يوجد شيئاً ما لا يجعلني فرداً كامل الأهلية وكامل الحقوق في المحروسة! فلماذا يجبرونني على حفظ آيات لدين لا أومن به ولابد أن يأتي منها في الامتحان أسئلة إجبارية ولابد من الحفظ حتى أنجح! في مقابل هذا ندرس جميعاً في المدرسة الابتدائية ومن بعدها الإعدادية ومن بعدها الثانوية أن ديني الذي أؤمن به وولدت عليه هو محض هراء وتحريف وكفر مبين وبالطبع كان لهذا عظيم التأثير على نظرة زملائي لي فكان البعض يعايرنا نحن "الكفاتسة" بكل أنواع النقائص الموجودة في أذهانهم فقط، فتارة يزف الطلبة زملائهم "الكفاتسة" بالأغنية التي تربينا عليها "الكنيسة وقعت والقسيس مات"، وتارة معايرة بأن رائحتنا كريهة رغم الاستحمام المتكرر بصابون زيست، وتارة بأننا نقبل بعضنا في الكنائس، وتكتمل المعاناة حين تأتي حصة الدين فأخرج مع ثلاثة أو أربعة من زملائي الكفاتسة المدعوا عليهم لنأخذ حصة الدين مع أبلة فلانة مدرسة الدراسات الاجتماعية أو أبلة علانة مدرسة العلوم وكنا نفترش جميعاً سلالم المدرسة أو أرض الحوش حتى نأخذ حصة الدين في المدرسة الابتدائية ثم من بعدها المدرسة الإعدادية ثم الثانوية!

نعم كنا نُهان كل أسبوع منظر كهذا! نجلس على السلالم بينما يرانا الصاعد والهابط والبعض يطلق النكات على هؤلاء الذين يفترشون درجات السلالم من أجل دراسة دين محرف على حد فهمه! 

أتعلم عزيزي القارئ بعد هذا العمر وهجرتي من المحروسة لم أنسى يوماً هذا المنظر ولم أنسى تنمر بعض الزملاء وبعض الأساتذة وبعض المعلمات وفراش المدرسة ووصولاً إلى حضرة الناظر! لم أنسى كيف كنا نتعامل بدونية، فيكفيك هذا المشهد لأطفال يفترشون الأرض لدراسة دينهم، بينما أقرانهم يجلسون معززين مكرمين في فصولهم! لا أعلم لماذا ظن البعض أنني حين نشرت قصيدة "أنا اللي أخدت حصة ديني على السلم" كنت أبالغ في الوصف! يعلم الله أنها الحقيقة بل أقل من الحقيقة بدرجات ودرجات! كانوا يخلقون فينا شعور الدونية بتصرفات ممنهجة متواترة مستمرة كهذه حتى نفقد أدميتنا وأحساسنا بالمساواة فنكبر نرضى بالفتات، لا أعلم إلى الآن كيف تحمل أبي وتحملت أمي حكاياتي لهما عما نراه من تفرقة وتنمر داخل هذه الأبنية الغير تعليمية التي كانت تسمى "مدارس"!

 أتعلم عزيزي القارئ وأنا أكتب هذه الحروف شرد ذهني للحظة فاحتضنت أبني وبنتي وقلت في نفسي أنها رحمة ربي يا ولدي ويا أبنتي أنني هاجرت من هذه المحروسة فيقيناً لم أكن لأتحمل ما تحمله أبي وتحملته أمي لو بقيت في هذه المحروسة وحدث لكما ما حدث لي! أتعلم عزيزي القارئ أنني كنت أسأل نفسي مراراً وتكراً وألوم إلهي مراراً وتكراراً على هذا الشعور البغيض! ثم بعد هذا كله كنا نذهب إلى الكنيسة فيقولون لنا لا تحزنوا فمكتوب في العالم سيكون لكم ضيق فكنت لا أستطيع الرد ولا أجد منطقاً للحوار.

أتعلم عزيزي القارئ أنه لفترة صغيرة من فترات الطفولة كنت كطفل صغير ألعب مع الأطفال جيراني في الشارع بنفسية طفل يلعب مع أقرانه وكفى ولا شى غير ذلك، وكان زملائي وجيراني كأطفال مثلي لا يشعرونني بأي تفرقه فالطفل (أي طفل) يولد على سجيته وطبيعته البشرية بفطرة طفل، يحب الجميع ويلعب مع الجميع ولا يفرق بين الجميع! وياليت الجميع يظل على فطرة الأطفال هذه فيصبح العالم هو الجنة بعينها!

عشت هكذا مع جيراني الأطفال فترة ليست بطويلة ولكنها فترة جميلة في حياتي أتذكرها بكل خير إلى الآن حتى ظهر في المنطقة مجموعة من الشيوخ الملتحيين الذين كانوا يرتدون الجلاليب البيضاء القصيرة و كانوا يمرون على البيوت والشقق في المنطقة لدعوة الناس للصلوات وتوزيع الأذكار أو ما شابه، وحدث أنهم مروا على بيتنا، فقالت لهم والدتي أننا أقباط وأِسقط في يدي أمي حين وجدتهم يدعوننا للهداية ويتحدثون فيما لا شأن لهم به، ولكن أمي العزيزة أغلقت الباب في أدب شديد لا يخلو من حزم، بعد أن قالت لهم بنفس الأدب الممتزج بالجدية الشديدة كلمات لن أنساها ما حييت جعلتهم لا يعودوا لمثلها من جديد، وأحسب أن ما قالته أمي في ذلك اليوم سيظل في ميزان حسناتها، لأنه الرد المناسب على من يعطي لنفسه الحق في اختراق خصوصيتك بكل وقاحة إلي هذا الحد! 

المهم بعد ظهور هؤلاء الأخوة حدث ذات يوم أنني كنت ألعب مع جيراني لعبتي المحببة آنذاك وهي كرة القدم وحدث أنني سجلت هدفاً بينما كان صديقي وجاري الذي كان أقرب الجميع إلى قلبي وكنت الأقرب له يرى أن الهدف ليس صحيحاً فما كان مني أن حلفت بالله أن الهدف صحيحاً فقال لي صديقي بعفوية غادرة: أنت كافر لا تحلف بالله! يعلم الله كيف نزلت تلك الكلمات على قلبي وعقلي اللذان بكيا قبل أن تدمع العين! لم أتحدث معه تركته وسرت في طريقي ولم أذهب إلى المنزل! كنت أسير حزيناً لا أعلم ماذا تغير في صديقي! كان لطيفاً حليماً محباً وطوال فترة معرفتي به لم يتفوه بكلمة أكرها ولا أنا فعلت ذلك! لم أري يوماً بيننا اختلاف في شئ! كنا نتكامل حين كنا نلعب سوياً في فريقاً واحداً فكان الجميع يهاب هذا الفريق الذي يلعب فيه هذان الصديقان! إلى الآن لا أنسى صديقي هذا الذي ما عادت لي صلة به بعد ذلك! 

وهكذا عزيزي القارئ كان حلم الهجرة إلى بلاد تحترم الاختلاف والتعددية هو حلم العمر إلى أن هاجرت إلى كندا حيث أعيش في بلاد تحترم الجميع، ولا تفرق بين الجميع، وتحب الجميع، وتقف على مسافة واحدة من الجميع، وهذا ما حلمت به لي ولأسرتي! وأقول لكم بكل صدق وبعيداً عن أي زيف ومزايدات كم تمنيت أن آتي لكندا وأنا في عمر أبنائي حتى أنعم بالمساواة والعدالة والمحبة التي يعيشها كل من يعيش على أرض كندا! وبرغم هذا كله مازلت أحمل لوطن المولد الاحترام والحب والأمنيات الطيبة، نعم أحب مصر ولكني لا أحب العيش فيها وما تمنيت يوماً أن أعيش فيها وأحسبني صادقاً مع نفسي جداً بعيداً عن المزايدات وادعاء الوطنية رغم أنها البضاعة الرائجة الآن!... نعم يا عزيزي القارئ أحب المحروسة ولكنني لا أحب العيش فيها... وللحديث بقية لو كان في العمر بقية.

[caption id="attachment_7658" align="aligncenter" width="201"]صورة مقال جورج موسي صورة مقال جورج موسي[/caption]