دولا أندراوس تكتب: في ذكرى فرج فودة
.. ولما سئلت عن ملابسات استشهاده قالت أن قائد السيارة التي صدمته كان مسيحياً. لقد أصبح اللقب يطلق على كل من هب ودب.. وأحيانا يكون في إطار تخفيف المصاب وتعزية أهالي المتوفين.
ولكننا نعيش هذه الأيام ذكرى شهيد حقيقي.. شهيد الحقيقة والحق والإنسانية، العظيم خالد الذكر فرج فودة الذي وقف وحده في مواجهة موجة التطرف التي اجتاحت مصر في عصر الرئيس المؤمن والتي بلغت أشدها في اواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات وما زال خطرها يستفحل يوما بعد يوم. آمن فرج فودة بالعلمانية حتى أنه هدد سطوة الاسلاميين وفضح تحالفهم مع السلطة وسبب لهم الرعب نتيجة لاقترابه من رجل الشارع العادي وقدرته على توصيل أفكاره للمواطن البسيط وكان كل همه إنقاذ البلاد من وبال الاسلام السياسي.. لكن هجومه هو الرجل الذي لم يشهر سيفا وانما قلما اخافهم إلى الحد الذي قرروا عنده القضاء عليه ليسكتوا صوته إلى الأبد. فدفع فرج فودة حياته ثمنا لاختلافه عن القطيع. ولكن هل نجحوا فعلا في إخماد صوته؟ تقول ابنته سمر فودة على صفحتها في الفيسبوك : كل اللي يعرفني متأكد إن اليوم ده من أصعب أيام حياتي واني مش باحب افتكره و بابقى عايزة اختفي من الوجود علشان ما أشوفش حاجة و ما أسمعش حاجة و ما أحسش بحاجة. لدرجة اني أحيانا كنت باقفل الفيسبوك فعلا وأرجع افتحه تاني وأقول لا إنت قوية. بس السنة دي قررت اني اشوفه من منظور تاني وبطريقة تانية. اليوم ده باسمع فيه أحلى كلام عن أبويا الله يرحمه وناس كتير قوي بتدعي له دعوات مافيش أجمل منها ناس بتحبه وبتحبنا بجد.. ناس بتقرا كلامه وتترحم عليه.. ناس بتقول لي كلام جميل من شأنه إنه يسعدني ويسند روحي. و كأنهم بيحتفلوا به وبنا. و لم لا ألا يطلقون عليه حفل تأبين أو احتفال الذكرى السنوية؟ أصل كلنا هنموت بس كم واحد هيترحم عليه الآلاف ويدعوا له كل عام على مر التاريخ؟ قليلون. كم واحد مات وترك ورائه علم ينتفع به؟ قليلون.. فهذا احتفال بحق. فلنحتفل معا فلنفتخر معا ونجعله عيدا. عيد لانتصار الفكر والقلم والتنوير. ونترك لمن قتلوه انهزام النحيب والألم والحزن. رحمك الله أبي قتلوك لتعيش. نعم قتلوه ليعيش في الأفكار والأشخاص والمؤسسات والتجمعات التي ترفع شعار العلمانية وترفض سلوكيات الاسلام السياسي المتطرفة. يقول فرج فودة: "لا أبالى إن كنت فى جانب والجميع فى جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلنى من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمنى من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقنى أشد الأرق أن لا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأى لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفى المزايدة، وقصاد الحق لا طالبى السلطان وأنصار الحكمة لا محبى الحكم، وأتوجه الى المستقبل قبل الحاضر، وألتصق بوجدان مصر لا بأعصابها، ولا ألزم برأيى صديقا يرتبط بى، أو حزبا أشارك فى تأسيسه، وحسبى إيمانى بما أكتب، وبضرورة أن أكتب ما أكتب، وبخطر أن لا أكتب ما أكتب .. والله والوطن من وراء القصد."