هاني صبحي يكتب: فلسطين!!.. أن تتوج بطلا للمونديال دون أن تلعب!!
بقلم: هاني صبحي
أُسدِل الستار من أيام، على واحدة من أمتع نسخ المونديال، وأكثرها إثارة وشغف وحماس، وأفضلها على الإطلاق من ناحية التنظيم.. وانتهت المواجهات بخضوع المستديرة اللعوب أخيراً بعد سنين من العناد لفارسها الأول، والملك المتوج على عرش اللعبة! ... ميسي!!.
اعظم من رأيناه يلمس الكرة على الكوكب _ من وجهة نظري طبعا حقنا للدماء، واحتراماً لرأي أحباب الدون رونالدو، والأسطورة مارادونا، والجوهرة بيليه، وكل حبات عنقود المتعة دي .. ونظراً لارتباطي بالمساحة المخصصة للمقال _ لإن الكلام عن الحدث ده من كل جوانبه محتاج سلسلة مقالات! ... فأنا قررت اتناول المونديال من زاوية صغيرة، ومن خلال انطباع شخصي خلاني متحمس أتطرق له.. العدالة!!.. طبعا الكمال لله وحده، لكني سميتها إلى حد كبير بطولة العدالة ... الكورة نفسها رغم أنها ظلمت كتير، لكنها في حد ذاتها لعبة قايمة على العدالة .. الماتش بيبدأ ولكل فريق فرص متساوية في أنه يحاول ويعافر ويشوط ..محدش مسموح له يرقص ويباصي والتاني لأ.. أو زي ما قال تميم البرغوثي! مفيش حد مسموح له العبور من خط النص، والتاني محتاج تأشيرة ..محدش متاح له يلبس جزمة كورة في رجله ، والتاني مجبر أنه ينزل يلعب حافي .
انا شفت العدالة في ماتش النهائى .. لما شفت ابتسامة الطفل ميسي وهو عمال يقلب في الكاس يمين وشمال! كأنه لعبة اشتراتهاله أمه اللي نزلت الملعب تحضنه بالدموع ..وشفت العدالة لما الفتى المهزوم مبابي، خسران مباراة لكن طالع نجمها الأول، ونال من العالم كله الاحترام اللي يستحقه.
شفت العدالة على وش صاحب ال 37 عام _ مودريتش.. وهو لابس ميداليته ومودع البطولة وبينهي مشواره بابتسامة ... شفت العدالة في المغرب حتى وهي خسرانة في المشهد الاخير، لكن سايبة وراها مليار تحية وتقدير واحترام، ولعيبتها راسمة على وش كل فلسطيني بسمة امتنان، لما مخطفتهمش الأضواء، وهيسترية الانتصارات المتتالية على أعتى فرق أوروبا، دون أن ينسوا معانقة علم بلادهم لعلم اخواتهم في فلسطين.. انا شفت عدالة قضية الشعب الفلسطيني في وجوه الناس في الشوارع والملاعب والأسواق.. الناس الحقيقية، الطبيعية، اللي على فطرتها النقية... مش الناس البلاستيك، المنتقاة على الفرازة من الأحزاب والحكومات والسفارات.. الناس اللي نازلة من بيوتها للشارع تعبر عن نفسها وفطرتها ومحبتها، ونصرتها للحق ووقوفها جنب اللي شايفاه مظلوم ..مش الناس اللي نازلة بالبدل والسواريه، تعمل اجتماعات، وتعقد صفقات مشبوهة، واتفاقيات اذعان وانبطاح.
انا شوفت عدالة قضية الشعب الفلسطيني في تقنية الڤار!! أيوه شفتها لما شوفت هدف اليابان في إسبانيا! لما حكمت بعيني المجردة زي كل العالم إن الكورة تخطت خط المرمى دون أدنى شك! ..لكن الڤار قال لي مش كل اللي بتشوفه من زاوية واحدة مفروضة عليك هو الحقيقة ، لأن الحقيقة ليها عدة وجوه.. شفت فلسطين في هدف، قلت عنه أنه شرعي 100% .. لكن الڤار أكد إن صاحبه متسلل بياخد حق مش حقه، وبيحتفل كمان بانتصاره المزعوم .. شفت فلسطين في لاعب بيسقط جوه منطقة الجزاء ..بيصرخ ويتلوى من الألم عشان يحصل على ضربة جزاء..لكن الڤار يقول له أقف عندك! محدش لمسك انت كداب !!.. تماما لما بنشوف صورة لمستوطن بيبكي من الاعتداء على بيته، لكن الحقيقة أنه طارد سكان البيت ومشردهم في الشتات... وزي ما بنشوف صورة لشاب مجرم عتيد الإجرام بيحدف طوبة على الشرفاء المسالمين... لكن الحقيقة إن الصورة ناقصة دبابة وجنود مدججين بالسلاح قدامه، وبيت صغير كان مليان حياة وأمل، اتحول بمن فيه إلى أنقاض وأشلاء من خلفه.
انا شفت العدالة، لما شفت العالم اللي واخد أفكار مغلوطة مزيفة عننا، وقلقان من إقامة البطولة وسط شوية الاوباش الهمج بتوع العالم التالت دول..ولقيته بيتابع العرب في عشرات المقاطع، وهما بيرفضوا يعملوا لقاءات مع المراسلين الإسرائيليين، بكل سمو واخلاق ورفض هادئ دون مشكلة واحدة أو اعتداء.. شفت العدالة لما تابعوا شاب شايل طفلة ثقيلة الوزن لأسرة ميعرفهاش لحد المترو، ثم مضى دون انتظار لكلمة شكر ..فتطلع حفيدة مدرب البرازيل اللي أصر على أنهم يلاقوه ويتصور معاه .
شفت العدالة لما العالم كله تابع شاب قطري بيمنع مشجع ارچنتيني أنه يمشي بعد ما خلصت فلوسه، ويقرر يستضيفه في بيته لحد آخر البطولة.. شفت العدالة لما التقارير الصحفية الإسرائيلية نفسها! ..أقرت إن فيه حاجة غلط !.. وأنهم فشلوا مع الزاحفين إليهم في تحويل التطبيع السياسي لتطبيع شعبي.. وإن الفجوة بين قبول الأنظمة ليهم وبين شعوبهم اكبر من قدرتهم على المراوغة والإنكار.. وإن السلام شئ جميل ..لكن لما يبقى سلام قائم على العدل .. سلام مش متعاص دم ودمار وتهجير وحصار..سلام قائم على الندية والتكافؤ ، مش سلام الإذعان والاستسلام وقبول الامر الواقع.. صحيح إن الأرچنتين فازت بالبطولة .. وصحيح إننا رأينا ميسي بيرفع الكأس الذهبية.. لكني شوفت من وراه في المدرج علم بيرفرف ، متزين بأغصان الزيتون ، معلنا عن فريق لم يلعب ، ولم يشارك ، لكنه حصد كل الألقاب