جورج موسى يكتب: غبي تحت الشجرة
أعياه التعب فجلس تحت شجرة تفاح، وضع رأسه سانداً إياها على الشجرة، وشرد بذهنه قليلاً وتذكر كل انكساراته وإخفاقاته وخيباته! تذكر كيف مضى به قطار العمر وضاعت أحلامه حلماً وراء حلم وراء حلم، كان قطار العمر يمضي وكان قطار أحلامه أيضاً يمضي!
تملك الإحباط منه وبلغ اليأس منه مبلغاً لم يسبق أن شعر به من قبل! لسعته شمس الظهيرة وبلغ الإعياء مداه كما بلغ يأسه منتهاه! أغمض عيناه متمنياً الموت ولكن هيهات فالموت لا يأتي لمن يتمناه بل يأتي في موعده لا يتقدم ولا يتأخر حسب أماني بني البشر! مرت لحظات ثم شعر بشيء يسقط على رأسه فشعر ببعض الألم فغضب وانهمرت الدموع من عينيه وقال محدثاً نفسه حتى الطبيعة تريد أن تشترك في معاناتي ألا يكفيها ما أشعر به! ولم يفتح عيناه ليري ماذا سقط على رأسه!
ظلت عيناه مغلقتان وبينما تنهمر الدموع من كلتا عينيه سقط شيء آخر على نفس البقعة من محيط رأسه الذي كان مازال يشعر ببعض الألم فيها فتألم أكثر وبكي أكثر ولكنه لم يفتح عينياه ليري ماذا سقط على رأسه ثانية! تكرر ما حدث لعشرات المرات أما هو فلم يحرك ساكناً سوى أنه ظل يبكي ويكتئب ويزداد يأسه ومرارته وحنقه على الحياة والطبيعة ويزداد طلبه وربما اشتياقه للموت الذي يعلم جيداً أنه لن يأتي لمن يطلبه أو يريده ولكنه يأتي إلا في موعده!
وفجأة سمع صوت يهمس في أذنه يقول له بهدوء أفتح عينيك! ففتح عينيه بسرعة في اضطراب وخوف شديدين ثم نظر فوجد فرع من شجرة التفاح التي يجلس تحتها يميل نحو أذنه اليمني ويحدثه! عقدت المفاجأة لسانه! حدث نفسه قائلاً فرع شجرة يميل على أذني ويتحدث إلي! اشتهيت الموت وليس الجنون! وبينما هو يتعجب وجد الفرع يهمس ثانية ويقول له هل تعلم ما هو الشيء الذي تكرر سقوطه على نفس البقعة في رأسك عشرات المرات ولم تهتم حتى بفتح عينيك لترى ما هو هذا الشيء بل أخترت أن تبقي عينيك مغلقتين وتلوم الدهر وتلعن حظك؟!
يا صاح أنت بنفسك حرمت نفسك من السؤال لماذا يتكرر سقوط هذا الشيء على رأسك! نعم حرمت نفسك من السؤال لأنك كنت تعتقد أنه حتى الطبيعة تريد أن تشترك في عذابك! الذي كان يسقط على رأسك كانت تفاحة تسقط تلو التفاحة! منذ عشرات السنوات سقطت تفاحة واحدة على رأس رجلاً يدعي "اسحق نيوتن" وبعدها بدأ يفكر ثم سأل نفسه لماذا سقطت لأسفل ولم تسقط لأعلى ثم في النهاية أكتشف الجاذبية الأرضية وتغير العالم بأكمله بسبب نظريات نيوتن الذي لم يحرم نفسه ولا سمح لأحد ولا حتى الطبيعة أن تحرمه من السؤال!
يا عزيزي كان أمامك خياران أما أن تبقي وتسأل مثل نيوتن أو أن ترحل من هذا المكان الذي يسبب لك ألماً يتكرر ويتكرر ويتكرر لتبدأ في مكاناً آخر بداية جديدة تجلب لك السعادة ولكنك أخترت البقاء لتتألم وتتألم وتتألم وحرمت نفسك من السؤال فنلت الألم مضاعفاً! نظر إلى فرع الشجرة في تعجب وحزن ثم فجأة أستيقظ من نومه متعجباً من هذا الحلم ثم نهض سريعاً ليجلس تحت شجرة تفاح أخرى ومن يومها ينتظر سقوط تفاحة على رأسه!