سلام القطمة تكتب: ثقافة الأنتخة
نحن يا جماعة أناس نحب الكسل، دعونا نعترف بذلك، نحن شعوب تهتم بالكسل، تقدسه، وتفتخر بالـــ "أنتخة". فالمقهى "القهوة" والذي هو عبارة عن مكان لتجمع الكسلانين وشرب الشاي والقهوة مع الشيشة وعمل لا شيء ومراقبة الجيران وعمل بعض الصفقات الصغيرة الخاسرة. القهوة هذه موجودة تقريباً في جميع الدول العربية ولكن شكلها وموقعها وديكورها يختلف من بلد لآخر ومن حي لآخر ولكن الهدف هو واحد.. تجمع الكسلانين وهو للرجال فقط على فكرة، مع أنه تتطور الحال فيما بعد وعملوا قهوة أنيقة للنساء الكسلانات أيضاً حيث شرب العصير، والكابوتشينو مع شيشة المعسل والنميمة.
الكسل عندنا له قوانين، وشروط وهو تقليد عريق قائم بذاته حيث يزهو ويتألق في أيام العطل والإجازات والأعياد، وفي المساءات والليالي الصيفية، وفي بعض الأحياء حيث تحلو القعدة بعد العشاء مع الشباب لمناقشة شؤون السياسة وتعلو الأصوات مع لعب الطاولة!
نحن شعوب تعتبر أن العمل هو أمر مقيت غير مجدي ولكنه اضطراري لجلب حفنة من المال لا تسمن ولا تغني من جوع! لذلك تجدنا نشتكي من العمل دائماً حيث "ياعيني" نخرج صباحاً ونعود مساءاً، رجالنا متعبين مقهورين ونسائنا محبطات شاكيات. لم يكن العمل يوماً بالنسبة لنا مرتبط بتحقيق الذات وخاصة عند النساء، فالمرأة العاملة دائماً يُنظر إليها بعين العطف والشفقة حيث أنها مسكينة فقيرة مضطرة للذل والبهدلة لكسب لقمة العيش المرّ. وحتى رجالنا، يفضلون العمل كمدراء لأن المدير من وجهة نظرهم رجل ذو نفوذ وبأس ولا يعمل بل يعطي تعليماته وأوامره لمرؤوسيه ليقوموا بالعمل بالنيابة عنه. العمل بالنسبة لرجالنا هو مركز إجتماعي فكلما كان مرموقاً كلما كانت الفيلا كبيرة في حي راقٍ والسيارة فارهة، والبدلة فخمة، والزوجة جميلة وسعيدة ولكن طبعاً غير عاملة حيث أن مركزه في المجتمع لا يسمح له بأن تكون زوجته عاملة بل يجب أن تكون الزوجة دمية جميلة لاستقبال الضيوف وإقامة السهرات. العمل في مجتمعاتنا مرتبط بشكل كبير بعلاقاتنا الإجتماعية وليست بكفاءاتنا المهنية، فكلما كانت علاقاتنا بكبار القوم قوية كلما وصلنا إلى قمة السلم الوظيفي بسرعة أكبر.
لم يكن العمل يوماً بالنسبة لنا ثقافة نفخر بها كثقافة الأنتخة. قالت لي زميلتي في العمل ذات الأصول الأوروبية الشرقية، تتحدث عن فئة عربية من الناس لا يعملون ويسترخون في منازلهم ويتلقون إعانات مالية قيمة، قالت: "أنا استغرب حقاً كيف يمكن للمرء أن يعيش بلا عمل! لقد نشأت وترعرتُ في مجتمع يرفض العاطل عن العمل، بل وكان هناك عقوبات قانونية لكل عاطل عن العمل، عقوبات قد تصل للسجن، العمل في ثقافتنا أمر مفروغ منه، كيف يمكن لهم أن يعيشوا بلا عمل؟"
العمل في ثقافتنا أمر معيبٌ أحياناً، حيث أن نادل المطعم وعامل النظافة مثلاً يستحي من عمله، حتى البائعة في محل ما تشعر أن عملها هذا ليس (قد المقام)! العمل في بلادنا يدل على حاجتنا للمال حيث الأغنياء والميسورين لا يعملون!! لذلك نشأنا في مجتمعات فيها نسبة بطالة عالية، لا تعمل ولا تحب العمل وتفضل شرب الشاي مع الأصحاب عالقهوة والشكوى عن البحث عن عمل!
إلى أن حدث ذات يوم أمر عظيم، حيث قررنا أن نهاجر ونغادر أرض لم تعد تعطينا أمن وسلام، كرامة وحقوق. غادرنا تلك الأرض إلى الجانب الآخر من النهر ذو العشب الأخضر دائماً وهنا أرمز إلى المقولة التي تقول: "العشب على الجانب الآخر من النهر دائم الخضرة" غادرنا إلى بلاد الخواجات! وفرحنا بالشوارع النظيفة والناس الأكابر ولكن اضررنا أن نفقد شيء مهم من تراثنا العظيم ألا وهو الكسل! ففي بلاد الفرنجة لا مكان للخمول، وهيا إلى العمل!
هيا إلى العمل بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. العمل في المكتب أو المصنع أو حتى المزرعة، العمل حتى في البيت حيث نحن أصبحنا في بيوتنا نعمل كسباك لتصليح الحنفية اللي بتنقط، أو نجار لتصليح الباب، كهربائي لحل مشكلة الغسالة بالاستعانة موقع يوتيوب لعلنا نجد حل!
انطلقنا إلى العمل رغم عنا ومجبر أخاك لا بطل، هذا الأمر جلب معه الكثير من المعاناة والكد، فنحن في النهاية شعوب مدللة تعشق الرفاهية وتهوى الراحة. بعضنا استمتع ببناء مستقبل وظيفي جديد والبعض الآخر لا يزال يشتكي ويعاني حتى اللحظة. ولكن ورغم كل ذلك لانزال نشتاق للأنتخة وخاصة الشتوية منها. تحيا الأنتخة!