أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح ... رواية ”إلى متى تجوع الضباع؟” (8)

مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوڤمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق الزمني والسياسي المناسب لهذه الفترة!  في الحلقة السابقة: لا يزال شريف جلال مفقوداً؛ ولا تزال إنچي خطيبة چو مخطوفةً؛ ورغم رؤية علي لها صدفة وهي تخطف، لم يمنع خطفها و لم يخبرأحداً، فظل في الميدان تفادياً لمواجهة أصدقائه! أما خالد فقد عاد أدراجه إلى عائلته في مدينة نصر فاقداً الأمل في العثور على شريف؛ بينما ظل چو يتظاهر كيداً ضد الفساد بسبب فقدانه حبيبته، في حين اتفق متظاهرو الميدان على وقفة "جمعة الغضب" في اليوم التالي!

حلقة ٨:

"ساعة الصفر!"

طفق سكان المنطقة العشوائية التي يسكنھا الضبع في صباح يوم الجمعة، في سرقة المحلات التجارية والشركات المحيطة بعد ان اغلقت ابوابها في ظل تلك الظروف المضطربة.  بينما تشعب قليلون جداً منھم الى مناطق أبعد. وربما كان سبب ھياجھم المفاجيء ھو انشغال الناس بالاعتصام و التظاھر اللذان ما لبثا أن استمرا بلا انقطاع، في ظل انعدام خدمات الاتصالات اللاسلكية والانترنت، مما ساعد أكثر في إتمام سير الجريمة بشكل عام.

كاد خميس ان يفقد أعصابه أمام برود أخيه جمعة الذي لازال يغمس اللقمة في صحن الفول الموضوع على ارض عشته، فصار يتأفف معلناً استياءه قائلاً: - جرى ايه يا جمعة؟ الكل فاض بيه و انت لسة و لا على بالك؟ - ما تصطبح يا خميس!...ايه رٔايك تتسمم معايا بلقمتين؟! - يا ضبع مافيش وقت للكلام دا، البلد شويتين و تتقشت كلھا و مش حينوبنا حاجة. - دا لأنك على ننياتك يا خميس...سبق و قولتلك مش لازم نبقى زي اي حد غيرنا...اصبر! - ما ھو برضه للصبر حدود! ھو انت ضامن الحال حايتصلح امتى؟ يمكن النھاردة المية ترجع لمجاريھا و ساعتھا نندم اننا استنينا. - ما ظنش ان الموضوع حايتلم بالسھولة دي ع الأقل مش النھاردة، اللي سمعناه ان لسة فيه مظاھرات، و عشان أطمنك بكرة حانخبط ضربتنا الكبيرة!    

"بنتي فين يا يوسف؟"

 في صباح يوم الجمعة، يأس چو من ان يجد خطيبته، فقرر الرجوع الى شقته في شبرا، وما ان وصل ودق جرس الباب، حتى فتحت له أمه وھي محمرة العينين و شھقت شھقةً عظيمة كمثل الغارق الذي يعود فجاة إلى سطح المياه و قالت: - يوسف! احتضنته بقوة، و كانھا تمنعه من أن يبتعد عنھا مرة اخرى، في نفس اللحظة التي ھرع اليھما الأب من الداخل و احتضنھما سوياً ھو الآخر. وإذ بصھراه يسمعانه من شقتھما فخرجا على التو لرؤية ابنتهما! فظلاّ يتلفتان يميناً ويساراً وتجاه سلم العمارة ظناً منھما انھا حتماً ستظهر صاعدة على الدرج، لكن سرعان ما تجهمت ملامحھما فجأة فصرخت أم انچي: - إنچي فين؟! تمكن چو من التخلص من ٔاحضان والديه، لينظر إلى صھريه بتردد و خزي و الدموع تغرق عيناه. أما ھما فقد تفحصاه بسرعة، و لاحظا آثار الضرب الذي تعرض له و ملابسه المھتكة، المبللة بدموعه، فاسترسلت ام خطيبته لكن بنبرة منكسرة، مرتعشة: - بنتي فين يا يوسف؟!  

"جمعة الغضب"

 بعد انتهائه من إقامة فرض صلاة الجمعة في جامع عمر مكرم، قرر على اللحاق ببقية الشباب المتظاھر الذي بدأ في التجمع من جديد عقب الصلاة. وكبقية المتظاهرين، كان يتمنى تحقيق حلم رحيل السلطة؛ فظل يصرخ و يھلل رغم ظهور علامات الارھاق و التعب عليه، فھو لم يغادر منطقة التحرير منذ ثلاثة أيام تقريباً، حتى يبتعد عن أنظار أصدقائه، وبالأخص چو. كانت جمعة الغضب أشد إحتقاناً من أيام التظاهر الأولى، فقد تجمعت حشود الشباب سريعاً، مسلمون وأقباط، متصدين لضربات الأمن وحركات الاعتقالات التي لم تزل مستمرة. واستطاع الشباب الصامد من السيطرة على ميدان التحرير قرب العصر، واستولوا على ٔاسلحة الشرطة والقنابل المسيلة للدموع وابتدٔاوا يستخدمونھا ضد رجال الشرطة و الأمن. وامتدت حركات التظاهر أيضاً إلى مناطق مختلفة من ضمنها مدينة نصر!  

"مدينة نصر"

 لم تكن مظاھرات مدينة نصر بنفس قوة مثيلاتها في ميدان التحرير، مما طمأن خالد وأسرته أثناء إقامتهم في شقة والدته في مدينة نصر؛ فجلس خالد وزوجته أمام الأخبار المذاعة في الفضائيات يتسامران فيما مر به من مواقف في الليلة السابقة وكيف كان لوجوده في قلب الأحداث إحساس آخر، رغم اختلافه مع الشباب على مبدأ التظاهر غير المنظم! حكى لها أيضاً عن تفاديه لضربات الأمن المركزي والشرطة التي لم تفرق بين عدو أو حبيب، وعن فشله مرتين في تفادي ضربتين بالعصا، فهبطت واحدة على ظھره والأخرى على فخذه؛ وبالرغم من الألم كان مستمراً في البحث عن صديقه. ثم تطرق الى موضوع اختفاء علي وچو المفاجئ، وقلقه من أن يكون قد ٔاصابھما مكروه! كرَب أسرة، أبى خالد أن يُظھر أمام عائلته أي اضطراب نحو أصدقائه، وخيبة امله في العثور عليهم بسبب انقطاع وسائل الاتصال المحمولة، وأيضاً لجهله أرقام ھواتفهم الأرضية، إلا تامر (وشريف بالطبع). وبسبب تقهقر قوات الشرطة أعلن الجيش حظر التجول ونزلت قوات الجيش وسط أرجاء المدن للمساعدة في الحفاظ على النظام والسيطرة على حالات النھب والسرقة التي تزايدت جداً قرب المساء! واستمر خالد في متابعة أحداث الميدان، وإذ بخبر هزيمة قوات الشرطة وإعلان حظر التجول يذاع رسمياً على قناة الجزيرة، فتبدل وجه خالد فجأة، فانتبهت نسرين وسألته: - فيه ايه يا خالد؟ - نسيت الـ"لاپتوپ" بتاع الشركة في الشقة! - يا اخي خضتني! احنا في ايه ولا فٕايه؟! - انت بتھرجي؟ الـ"لاپتوپ" دا عليه مشاريع بالملايين! - ايوة يعني انت عايز ايه دلوقتي؟ - لازم انزل التحرير فوراً! فصاحت به زوجته عفوياً: - انت اتجننت يا خالد، حاتسيبني وتسيب ولادك عشان مشاريعك؟! تغور الشقة باللي فيھا! اذا مش خايف علينا خاف على نفسك يا ٔاخي. مش كفاية اللي حصلك من يومين؟ وبعدين ابقى وريني حاتنزل ازاي و فيه حظر تجول؟  

"ظھور شريف!"

 لم يرضخ الشعب لحظر التجول، فقد ظل المتظاھرون في الشوارع والميادين، صامدين في وجه قوات الأمن؛ كذلك أيضا لم يخضع خالد لطلب زوجته، و ٔاصر ان يذهب لإحضار جھاز الـ"لاپ توپ "من شقته في التحرير، و ٕالا فسيتعرض للمساءلة القانونية ان تمت سرقة الجھاز أو ٕاتلافه؛ في النهاية، قد نجح خالد في اقناع زوجته بأنه لن يتغيب و ان كل شيء سيكون على ما يرام، لدرجة أنها طلبت منه في النهاية - بطبيعة الأنثى الغريزية - أن يحضر لھا أشياءً أخرى من الشقة! استطاع خالد أن يجد مكاناً ٓامناً لسيارته تحت عمارته في التحرير، إلى أن يصعد بسرعة ويحضر ما يود ٕاحضاره؛ فاختلس النظر سريعاً على الشارع ليجس الحالة الأمنية للمنطقة لكن لم تكن الأمور على أكمل وجه، مما جعله يتوقع ان يجد شقته مسروقة، فاخذ المصعد إلى الطابق الذي يسكن فيه، وفتح باب المصعد بحذر، وإذ به ظلام دامس، فتحرك ببطء متحسساً طريقه إلى مفتاح النور المتصل بمؤقت. وما أن أدركه وضغط عليه حتى رأى باب شقته سليماً، فاطمأن قلبه ودخل الشقة بأمان. استغرق خالد بالداخل ١٤ دقيقة استطاع فيھا ان يحضر كل ما يجب ٕاحضاره. وبينما كان يھم للخروج، سمع طرقات عنيفة على الباب. فتوقف تاركاً كل ما كان بيده، واتجه متوتراً الى المطبخ واحضر سكينةً حادةً وصرخ بخشونة: - مين؟ ٔاجابه الطارق بكل ھدوء: - افتح يا خالد، انا شريف! لم ينتبه خالد الى الإسم في البداية ولكنه سرعان ما تيقن لصوته ففتح الباب، واذ به شريف بالفعل، وقد لاحت عليه علامات الضعف؛ فاحتضنه خالد سريعاً مدخلاً اياه الشقة قائلا بارتياح: - يخرب عقلك، انت كنت فين؟  

يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم!